مصر وكوبا.. تاريخ من التوازنات
استقرت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكوبا منذ الحقبة الخمسينية بسبب اتفاق الرؤية، في بادىء الأمر، بين البلدين، خاصة خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي وطد علاقاته بهذه الدولة لنقل مكتسبات الاشتراكية داخل المجتمع المصري.
وعقب انتهاء الحكم الناصري، توقف معه الاستمرار في تنفيذ نفس السياسيات بسبب رؤى رؤساء مصر المتعاقبين، وموقفهم من الفكرة الاشتراكية، بداية من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مرورا بمحمد حسني مبارك، ومحمد مرسي، وعدلي منصور، إلى أن جاءت فترة حكم الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، لتعيد العلاقات بما يتماشى وسياسات التعامل الجديدة مع الدول.
عبدالناصر.. علاقات "مصرية- كوبية" مزدهرة
شهد الحكم الناصري، فترة ازدهار العلاقات بين مصر وكوبا، حيث أسفرت بداية فترة حكمه، عن 10 لقاءات جمعت بين البلدين، منذ عام 1959 حتى 1960، والتي جاءت لتوطيد المفاهيم الاشتراكية للدولتين في ذلك الوقت.
بدأت في 19 يناير 1959، عندما استقبل عبدالناصر القائم بأعمال مفوضية كوبا في القاهرة، أرماندو ريفييرا، ثم استقباله التاريخي لمبعوث رئيس حكومة كوبا، أرنستو جيفارا، في 15 يونيو من نفس العام، أعقبها لقاء آخر بينهما يوم 29 من نفس الشهر، ليهدي بعدها الرئيس جمال عبدالناصر نظيره الكوبي، فيدل كاسترو، وشاح النيل الأكبر.
وفي يناير 1960، تسلم ناصر أوراق اعتماد السفير الكوبي الجديد وقتها، جورج أرماندا جارسيا، وأقام احتفالية بالقصر الجمهوري بهذه المناسبة، ثم اجتماعه بوزير القوى المحركة في الاتحاد السوفيتي، نوفيكوف، أعقبها لقائه السريع بسفير كوبا في الهند، في 10 مايو من نفس العام، ثم لقاءا رئاسيا جمع بينه وبين وزير حربية كوبا، راوؤل كاسترو، في 25 يوليو من نفس العام أيضا، وبعدها بيومين فقط، حضر عبدالناصر حفل استقبال أقامته السفارة الكوبية في مصر بمناسبة عيد الثورة الكوبية السابع.
حكم السادات.. توديع الاشتراكية
الرئيس محمد أنور السادات جاء بفكر جديد لإدارة البلاد، رافضا البناء على مكتسبات الفكرة الاشتراكية، التي أرساها الرئيس السابق له، جمال عبدالناصر، وبدأ معه عصر الانفتاح، وانصرف بشكل جزئي عن التعامل مع دول الاتحاد السوفيتي، التي تعتبر داعما رئيسيا لدولة كوبا الاشتراكية في ذاك الوقت.
مبارك.. اتجاه إلى الرأسمالية
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتغير النظام الاشتراكي في كوبا، برحيل فيدل كاسترو، اعتمد الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، نفس الفكر الذي سار على نهجه السادات، واستكمل سياسيات الانفتاح عن طريق الاستمرار في جلب الاستثمارات الخارجية، فضلا عن ميل مصري واضح للتعامل مع المعسكر الغربي، على حساب موقفها من المعسكر الشرقي، الممثل في دول الاتحاد السوفيتي.
مرسي والنظام الإسلامي
لم يتبلور فكر الرئيس الأسبق، محمد مرسي، خلال فترة حكمه من التعامل مع دول المعسكر الشرقي، ومنها كوبا، بسبب الأحداث المتلاحقة التي شهدتها مصر بداية منذ 25 يناير 2011، مرورا ببداية حكمه في يونيو 2012، وحتى خروجه من حكم البلاد في 30 يونيو 2013.
مع الأخذ في الاعتبار، محاولته إرساء نظام بخلفية إسلامية، لا يتفق مع نهج الدولة الكوبية، التي اتخذت مسار معتدل بعد تغيير حكامها في الفترة الأخيرة، لكن النكهة الاشتراكية ظلت السمة المميزة لنظام التعامل مع الدولة الكوبية.
منصور.. مصالحة عامة وسياسات مؤقتة
المستشار عدلي منصور، اعتمد منذ الدقيقة الأولى لتوليه مهام رئاسة الجمهورية، على كونه رئيسا مؤقتا، يدير البلاد خلال فترة سياسية متأزمة، وهو ما جعله يرحب بكل التعاملات السياسية مع الدول في إطار فكر المصالحة العامة الذي اتخذته مصر مع كل الدول التي اتخذت مواقف سلبية من البلاد، خلال فترة حكم الإخوان، ولم تكن كوبا أو العلاقات مع الدول الاشتراكية، ذات اهتمام وثقل، نظرا لانشغال منصور وطاقمه الوزاري والرئاسي بإصلاح الشؤون الداخلية في البلاد.
حكم السيسي.. تعاون على أساس المصالح المشتركة
منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي، مهام إدارة البلاد، تعمد إرسال مجموعة من الرسائل السياسية، تعكس احتواء مصر لكل الدول التي تجمعها معهم اهتمامات مشتركة، مع اتخاذ قاعدة توسيع العلاقات السياسية، دون الاعتماد على الأفكار الإيدولوجية الخاصة بأنظمة الدول، لكن على أساس المصالح المشتركة والمكاسب السياسية التي تعود على مصر من وراء هذه التنسيقات السياسية بين الدول.
وكان ذلك لعدة أسباب، أهمها استعادة الدور المصري في المنطقة والعالم، والدفع في اتجاه تغيير استحواذ بعض الأنظمة وتحكمها في الدول الأخرى، والتصدي لإعادة ترسيم الحدود الذي تبنته الدول الغربية، وهو ما دفع السيسي لاستعادة كل العلاقات القديمة بين مصر والدول الآسيوية والإفريقية والغربية والأوربية، حتى إن كانت بخلفية اشتراكية معتدلة.