فورين بوليسي: مساعي السيسي لـ"الثورة الدينية" لن تكتمل
ترى مجلة "فورين بوليسي" أن الأزمة التي يعيشها الوطن العربي والإسلامي وتصاعد المتطرفين الإسلاميين في أماكن كثيرة خصوصا في سوريا والعراق، تؤكد أنه لن يكون هناك إصلاح إسلامي متوقع في المستقبل، لافتة إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والواعظ التركي فتح الله جولن لعبا دور المصلح الديني في العالم الإسلامي، إلا أن تجربتهما لن تكتمل.
ولفتت الصحيفة الأمريكية في تقرير نشر على موقعها الإلكتروني، اليوم السبت، إلى أنه خلال الأسبوع الماضي وخلال خطابه في ذكرى الكريسمس، صلى البابا فرانسيس على أرواح ضحايا تنظيم داعش في سوريا والعراق، هذه الصلاة شملت المسلمين والمسيحيين الذين سقطوا جراء عنف الجهاديين، التي كانت واحدة من أكثر الجوانب الكئيبة لعام 2014، غير أن خطاب البابا شمل تناقضا صارخا بين التواضع الواضح للفاتيكان، الذي خلفته عقود طويلة من الإصلاحات، وبين وحشية "داعش".
الإسلام لا يزال عالقا في العصور الوسطى
هذا التناقض قاد بعض المراقبين، بحسب التقرير، مثل الكاتب الأمريكي بيل مار، ليعلن أنه ينبغي التوقف عن تقديم توضيحات سياسية لهذه الوحشية، قائلا بكل صراحة إن الإسلام لا يزال عالقا في العصور الوسطى، وحتى أولئك الذين رأوا أن هذا التصريح بدائي جدا، تطرقوا إلى شرح كيف كانت الدول الغربية تنظر إلى مسألة فصل الكنيسة عن الدولة، في حين أن الدول الإسلامية من السعودية ومصر وتركيا لا تزال متمسكة بهذا الترابط.
واحد من أهم التفسيرات لهذه الأزمة، من وجهة نظر الصحيفة الأمريكية، هي أن العالم الاسلامي في حاجة ماسة لإصلاح خاص به، أي خروج مصلح على غرار المصلح البروتستانتي، مارتن لوثر، ليدخل الإسلام القديم إلى الحداثة، وخلال العام الماضي لم يضاف سوى المصلح التركي، فتح الله جولن، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، من العالم الإسلامي إلى قائمة المصلحين الدينيين، هذه القائمة التي تصدرها مارتن لوثر منذ القرن السادس عشر.
هل من مصلح جديد للإسلام؟
غير أن كثيرا من المحللين والنقاد للإسلام تبنوا فكرة أخرى وهي خروج شخص غير الواعظ التركي "المنعزل" والجنرال المصري "الاستبدادي"، يمكنه أن يصحح الالتباس بين المؤسسة الدينية والدولة في العالم الإسلامي، ويساعد في النهاية الإسلام على الانتقال من الأصولية الشمولية إلى الدين المستنير والمنفتح، أي من أبو بكر البغدادي إلى البابا فرانسيس، على حد تعبير التقرير.
لكن قبل أن يبدأ المراقبون بنقل الدروس المستفادة من التاريخ الأوروبي إلى العالم الإسلامي، بدأ سؤال يطرح نفسه: ألم يكن هذا الإصلاح هجوما على الكنيسة الكاثوليكية؟ ألم يتم اتهام مارتن لوثر بالهرطقة بعد نشر كتابه "ضد البابوية: مؤسسة الشيطان"؟ لذا فإنه حينما يطرح أي كاتب غربي فكرة المصلح الإسلامي، يترأى في ذهنه سؤال ليس له حل في المجتمع الغربي نفسه: هل هذا العالم المسيحي الحديث حاليا هو نتاج لانتصار البروتستانتية على البابا؟ أم هو انعكاس لروح المسيحية العلمانية المتأصلة في البروتستانتية والكاثوليكية على حد سواء؟
كيف تحولت أوروبا من الهيمنة الكنسية إلى العلمانية
خلال الأيام الأخيرة، يتفق غالبية البروتستانت على أن البابا فرانسيس شخص جيد ولا يشكل تهديدا للديمقراطية، بل انه يتماشى مع التقدم العلمي خصوصا أنه أعلن اعترافه بنظرية التطور، لكن بالنظر إلى الماضي، نحد أن غالبية قادة الكنائس والملكيات كانوا متفقين على أن الكنيسة والدولة يجب أن يكونا شيئا واحدا، وإذا حاول أي طرف فصل الكنيسة عن الدولة، تصبح القوة هي الفاصل بين المعسكرين.
حينما فقدت الإمبراطورية الرومانية السيطرة على أوروبا خلال الألفية الأولى، استطاع البابا أن يحكم قبضته على الكنائس عبر القارة، لكنه دخل بعد ذلك في صراعات مع ملوك أوروبا الجدد، الذين سعوا للسيطرة على أراضي الكنيسة أو الإطاحة بالكهنة، لكن البابا استعان بحلفائه للتصدي لهم، غير أن هذا الصراع أججه بعض الملوك الأقوياء، فقد كان كل طرف يسعى للعب دور "الخليفة" الذي يجمع بين السلطة الدينية والزمنية، فعلى الرغم من أن الكنيسة والدولة تعتمد كل منهما على الأخرى من أجل الشرعية إلا أنه لم يتمكن أي منهما أن يضع يده العليا وحيدا على البلاد.
تجربة هنري الثامن والانفصال عن الكنيسة
بمجيء القرن السادس عشر، أعطى الإصلاح البروتستانتي أخيرا الملوك الأوروبيين مثل هنري الثامن ملك انجلترا، التبرير الديني لتوحيد الكنيسة والدولة تحت قبضتهم بديلا عن سلطة الفاتيكان، ومن هنا بدأ البروتستانت يفضلون فكرة فصل الكنيسة والدولة طالما أن الكنيسة كانت فقط كاثوليك، وفي عام 1534 وحينما دخل هنري الثامن في صراع مع الفاتيكان، نصب نفسه رئيس لكنيسة إنجلترا الجديد، تلاه بعد ذلك أجيال من البروتستانت، وقد كان ذلك بمثابة انتصار للعلمانية بعد أن استطاع الملك أن يحرر دولته من الكنيسة المتجسدة في بابا روما.
تجربة هنري الثامن لم تلق أي انعكاس لإعادة تشكيل المجتمع الإسلامي، فهناك حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي أن هنري أبقى على ثيوقراطية دولته، فقد جمع بين الحاكم السياسي والديني لإنجلترا، وهو أمر يشبه كثيرا دور الخليفة في العالم الإسلامي، لكن لا يمكن أن ننسى أن هذا التحول كان حجر الأساس لفصل الكنيسة والدولة في أوروبا، التي قادتها حركات البروتستانت المتنامية في جميع أنحاء القارة.
وقالت الصحيفة إن السياسة والظروف المحيطة بالدين وتطبيقهما في المجتمع هي أكثر من كونها نظرية مجردة، لكن إن كان هذا الفصل بين الدين والسياسة في الغرب هو أمر سياسي وليس ديني، فمن الصعب الاختيار بين أي التجارب أصلح تقدمها للعالم العربي، هل تجربة هنري الثامن أم الثورة الفرنسية؟
المسيحية والإسلام مساران مختلفان تاريخيا
الإجابة الصحيحة لهذا السؤال هو أنه لا يوجد مسار واحد ثبت تاريخيا للعلمانية الحديثة، فعلى سبيل المثال الثورة الفرنسية وتعاملها مع الكنيسة تقترب من أحد التجارب في العالم الإسلامي، وهي التجربة التركية لمصطفى كمال أتاتورك، الذي رأى أن المؤسسة الإسلامية قوة معادية، مثلما رأى الثوريون الفرنسيون الفاتيكان، لذا فقد قام بمصادرة ممتلكات المؤسسات الاسلامية وحظر الشعائر الدينية، لكن المتابع للأخبار عن تركيا خلال العقد الماضي يكتشف أن خطة أتاتورك لم تنجح بشكل تام، فالسياسة التركية قسمت بشكل حاد بين هؤلاء الذين يرون أن الدولة علمانية جدا وبين هؤلاء الذين يرون أن بلادهم لم تعد علمانية بما فيه الكفاية.
إذا كان أتاتورك قد فشل هو الآخر، فهل هناك أمل لخلق توافق حول دور الدين في الحياة العامة يمكنه أن يسهل الديمقراطية الليبرالية في البلدان ذات الأغلبية الإسلامية؟ أو على الأقل توافق يكفي لقطع الطريق على بعض أعمال العنف التي شهدناها خلال العام الماضي؟ درس واحد يمكن الاستفادة منه من الصراع الطويل بين الدولة والكنيسة في أوروبا هو أنه دون اتباع أي مسار ثابت يمكن للدول الإسلامية أن تنجح في خلق مسارها الخاص، مثلما فعلت الفاتيكان بعيدا عن تجربة مارتن لوثر.