التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:33 م , بتوقيت القاهرة

كل مرة روسيا والصين! روسيا والصين!

زيارتا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا والصين زيارتان مهمتان، بأهمية زيارات أخرى إلى دول في الاتحاد الأوروبي. لكن تقديم الإعلام لهما مضلل. كيف؟


كل دولة في العالم الثالث تريد أن “تغيظ” أمريكا تعلن أنها ستتوجه إلى روسيا والصين؟ بس صدر روسيا والصين هيساع مين ولا مين.


لنبدأ بروسيا.


المشهد الأول:


زيارة الرئيس السيسي إلى روسيا صاحبها كم مهول من المبالغة الإعلامية، وعن المشاريع، والتحالفات، من أول القمح إلى منصة إطلاق الصواريخ.


تقريبا كل زيارة لرئيس مصري إلى روسيا قدمت على هذا الأساس. كيف ستقيم هذه الزيارة تحالفا يكسر الهيمنة الأمريكية. كيف وكيف. بدلا من تقديمها على أنها زيارة مهمة إلى دولة مهمة، في إطارها يعني.


وهي حيلة محفوظة من كتب التربية القومية، من دروس “دول عدم الانحياز”. حيلة قديمة جدا. ينبغي ألا نأخذ كلام الإعلام فيها بجدية. لكنها صارت كالزن على الآذان لكثرة ما ترددت. و صارت الإجابة المحفوظة لو سألت أي حزب أو جماعة أو تيار عن رؤيتهم لسياسة مصر الخارجية. يعني المشكلة مشكلة سياسية عامة، يبالغ الإعلام في تفاقمها.


ما المشكلة؟


المشكلة هي التفكير بطريقة بندول الساعة. تفكير يراوح مكانه. تفكير - كالمستقيم الهندسي - يصل بين نقطتين، ثنائي الأبعاد، ليس فيه إبداع ولا تعدد مستويات، وبالتالي تفكير متوقع.


لو كانت السياسة العالمية كلها امتحانات في مستوى الطالب المتوسط زي كده، مكانش حد غلب. وكانت أمريكا “اتغلبت” من زمان. تفكير يستدعي المقولة الشهيرة “خليهم يتسلوا”.


المشهد الثاني:


الاقتصاد الروسي يعاني من خبطة قوية بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية. وبسبب الفتونة الروسية في موضوع أوكرانيا التي خربت علاقتها بأوروبا والولايات المتحدة.


وفي ظل الأزمة التي شهدت تدهورا لسعر الروبل الروسي، يذهب بوتين إلى تركيا. لروسيا مصالح - خلي بالك، لروسيا مصالح - كبرى لدى تركيا. تركيا تشترك مع روسيا في تأثيرها على سوق الغاز الطبيعي. وفي امتداداتها الثقافية داخل دول بحر قزوين المسلمة، التي تتقاسم شعوبها الحديث بالتركية والفارسية. هناك أيضا التأثير التركي في ملف سورية. حلف الناتو ورغبته في التوسع شرقا لكي تصبح أوكرانيا حدوده الجديدة في وجه النفوذ الروسي. ملفات من النوع الثقيل، تحت كل عنوان قصير منها آلاف التفاصيل. ملفات دوري المحترفين في السياسة العالمية.


المشهد الثالث:


تضارب في الأخبار حول حصول مصر على صفقة أسلحة روسية (منصة إطلاق صواريخ). ضبابية في الموضوع لا تتناسب مع علنية صفقات السلاح العالمية من هذا النوع.


أنباء تفيد بأن موسكو عاجزة عن الوفاء بوعودها بشأن تصدير القمح إلى مصر.


شكرا


هل نستفيد من "واقع" السياسة؟ هل آن الأوان لأن نقف مع أنفسنا كما تفعل الإنسانة الحكيمة وأن ندرك أننا نحتاج إلى واقعية سياسية، تضع الأمور في حجمها، لأن الدفاتر المضبوطة في بقالة السياسة هي الطريقة الوحيدة لمتابعة الربح والخسارة، لمعرفة أثمان السلع التي نملك ومدى الإقبال عليها، لأن نعرف أي هذه السلع ينفعنا وأيها يعطل رؤوس أموالنا. لنعرف إلى أي السلع نحتاج لأن الطلب عليها مرتفع.


وعلى ذكر السلع التي نملك. هذا هو سؤال السياسة الأهم. ماذا لدينا لنقدم وماذا نتوقع في المقابل. الصين، التي يزورها الرئيس عبد الفتاح السيسي حاليا، دولة مهمة جدا، وثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهذا يجعل الزيارة مهمة ولازمة. لكن السؤال السياسي - مرة أخرى - سيظل ماذا لدينا لنقدم للصين، وماذا سنحصل في المقابل. ينبغي أن يتوقف الإعلام عن عادة إقناع الشعب بأننا مهمون بالفطرة، وأن الدول الأخرى تريد رضانا لأننا نستحق الرضا.


الصين، على عظم اقتصادها، دولة قارة في حد ذاتها. لم تنتقل بعد من مرحلة بناء نفسها إلى مرحلة "التأثير الإيجابي" على حلفائها. وإلا أعطوني اسم دولة واحدة ساهمت علاقاتها المتميزة مع الصين في نهضتها. بمعنى أن الصين لديها من الملفات الداخلية ما سيبقيها مشغولة فترة طويلة، وما يجعل أمامها فترة طويلة قبل الانتقال من مرحلة بناء نفسها إلى مرحلة المبادرة الثقافية والعلمية. لا تزال في "مرحلة التقليد"، كمبدعة مراهقة تقلد كادرات المخرجة الفلانية أو أبيات الشاعر الفلاني، تقليدا جيدا، مرغوبا، لكن الوقت لم يحن بعد لكي تكون هي نفسها مؤثرة.


ولكي لا يفهم كلامي على غير معناه، العلاقات مع الصين مهمة، واجتذاب رؤوس الأموال الصينية إلى مصر مهم. مهم، من غير مبالغة، مثلها مثل غيرها من الدول المعنية بالاستثمار.


لكن الأهم منها جدا تحسين العلاقات مع أمريكا، والبحث عن أفق بناء شراكة جديدة معها، والبحث عن مجالات تعاون مع جيراننا الأوروبيين. هذا أهم، ليس فقط عسكريا واقتصاديا، بل وثقافيا أيضا. أدعوكم إلى قراءة كتاب طه حسين الرائع "مستقبل الثقافة في مصر".


هل ذكرت لفظ إسرائيل في هذا المقال؟ هل يذكره أحد في الفضاء السياسي المصري؟


لا. لماذا؟


حتى لا يتهموا بأنهم خونة وعملاء. طيب. الملفات المشتركة مع إسرائيل أهم ملفات العلاقات الخارجية المصرية، بحكم الجغرافيا، وبحكم الأمن القومي، وبحكم موقعنا في السياسة العالمية. هل لدينا أي تفكير مبدع في هذا الاتجاه؟!