"الإرهاب".. لا يفنى ولا يستحدث من عدم
البعض يظن أن الإرهاب وليد العصر، وأن هناك تغييبا للعقول واستغلالا للشباب جعل الإرهاب يعصف بدول المنطقة، على عكس الحقيقة التي توضح أن الإرهاب متجذر في التاريخ الإسلامي، وقد مر بمحطات تطويرية حتى وصل إلى ما نشهده اليوم.
مرحلة التنظير
كانت فتاوى ابن تيمية، المولود فى القرن السابع الهجري، مصدر إلهام للتكفريين في كل العصور، حيث يعتبر شيخا للإسلام عند أبناء التيار السلفي والوهابي، وهو المنظر الأكبر للأفكار التفكيرية والإرهابية، وأول من قسم التوحيد إلى توحيد "ألوهية وربوبية وأسماء وصفات"، وجاء في عصر التتار بعد أن هلكت كتب التراث الإسلامي في واقعة اقتحام بغداد، وكانت الأمة الإسلامية في عهد ابن تيمية "شيعة وسنة"، والسنة الآن تقسم إلى سلفية وصوفية، فعادى ابن تيمية كل من الصوفية والشيعة، ومهد الطريق إلى تفكيرهم وتسفيقهم.
مرحلة التطبيق
استلهم ابن عبدالوهاب من ابن تيمية إقصاء الآخرين، فبدأ في تكفير بعض أتباع المذاهب الأربعة، وأعلن أن هدف دعوته إعادة الناس إلى تحقيق التوحيد ونبذ الشرك، واعتبر الوهابيون أن الركن السادس من أركان الإسلام هو الانضمام لجماعتهم، حسبما اتهم الشيخ سليمان بن عبدالوهاب أخاه، وكان أكثر المعارضين له، وأصبحت منطقة الجزيرة العربية بمثابة منطقة جهاد بالنسبة للسلفيين، ما أثار انتباه العالم الخارجي لهذه الدعوة الخطيرة في ذلك الوقت، فتحركت جيوش مصر بقيادة محمد علي وأولاده للقضاء عليها.
مرحلة التنظيم
بدأت الجماعات الإرهابية تأخذ شكلا تنظيميا، وكان ذلك في مصر، فأولى خطوات نشر الفكر التكفيري كانت بالاتفاق مع مؤسس الجمعية الشرعية محمود خطاب السبكي، بتحويل نشاطه بعد 13 عاما من تأسيس الجمعية عام 1913م، وبث الأفكار التكفيرية تحت مسمى محاربة البدع منذ عام 1926، ثم في نفس العام سهلوا للشيخ محمد حامد الفقي تأسيس جامعة أنصار السنة المحمدية، وكانت مهمتها نشر مؤلفات ابن تيمية وابن عبدالوهاب، والمهمة الثانية تكفير الصوفية، وهم أغلبية الشعب المصري وقتها.
وتم تأسيس جمعية الشباب المسلمين عام 1927 بتخطيط من محب الدين الخطيب، وتولى رئاستها عبدالحميد سعيد، وكانوا يبحثون عن شاب بصفات معينة من شباب الجمعية لمهمة أكبر، فما أن وجدوه قاموا بمساعدته لإقامة جماعته الجديدة "الإخوان المسلمين" عام 1928، وهو حسن البنا.
مرحلة "شعب الله المختار"
بدأت هذه المرحلة في فترة ما بعد ثورة يوليو 1952، فأسس القيادي الإخواني سيد قطب مدرسته، وهي التطور الطبيعي لأفكار حسن البنا وأفعاله، فمهد الطريق بشكل كامل للإهارب والعنف، فقطب رأى أنه يعيش في مجتمع جاهلي، حيث رأى الإسلام حدث به ارتداد إلى الجاهلية مرة أخرى، وأن كل من حوله كفار، وقسم العالم إلى ديار إيمان وديار كفر، وبالطبع من معهم هو المسلم وغيرهم كفار.
مرحلة العمليات النوعية
خلال فترة الثمانييات والتسعينيات وبدايات القرن الواحد والعشرين، بدأت الجماعات الإرهابية شن عمليات إرهابية ضد الدول الغربية، وضد الأنظمة المخالفها لها فى أوطانها، وكان من نتائجها ضرب السياحة فى بعض البلدان ومنها مصر، وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن ضرب برجي التجارة العالميين فى نيويورك، وتفجيرات لندن وغيرها، وفى كل عملياتها كانت الجماعات الإرهابية تستشهد بأفكار وتنظير ابن تيمية وتلامذته، وتحول الجهاد فى مفهومهم من محاربة الأعداء إلى محاربة المخالفين فى الرأي، وأباحوا خلالها العمليات الإنتحارية سواء ضد المسلمين أو غيرهم.
مرحلة الدولة
بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، واشتعال طوفان الربيع العربي في المنطقة، بدأت الجماعات الإرهابية في محاولة الوصول إلى الحكم والسيطرة على مقاليد الأمور، فنجحت في بعض البلدان من خلال صناديق الانتخابات، لكن سرعان ما أسقطتها الشعوب، لكنها في بلدان أخرى عندما صعب الوصول للحكم بدأت في حمل السلاح، وإعلان الجهاد على الجميع، حتى أسس الإرهاب دولته المزعومة في العراق والشام "داعش"، وخلال هذه المرحلة حللوا كل المحرمات، من قتل الأطفال إلى قتل النساء، واعتبروا الزنا "جهاد نكاح" وأخذ سبايا، والسرقة غنيمة.
بعد استعراض تاريخ التطور الإرهابي، علينا أن نسأل كيف ستكون المرحلة المقبلة في الفكر الإرهابي التفكيري إن لم نقضِ عليه؟.. إجابة لا يعرفها حتى الإرهابيون، وإنما سيجيب عنها الزمن.