التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:42 م , بتوقيت القاهرة

قطاع الرعاية الصحية يتعطش للتحول المؤسسي لتعزيز وتحسين جودة الرعاية

  مصر في طليعة الدول التى تسعى للابتكار والاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا وتدريب الطواقم الطبية

لا شك أن رؤية مصر 2030 واستراتيجية الدولة للتنمية المستدامة مهدت الطريق نحو قطاع رعاية صحية أفضل، باعتباره واحدًا من القطاعات المحورية التي تقوم عليها صحة وسلامة 100 مليون مواطن مصري، وقد شهدت الفترة الماضية مع تفشي فيروس كورونا المستجد فرصة للانفتاح بشكل أكبر على الممارسات الصحية الدولية والاستفادة من أفضل نماذج الرعاية الصحية الناجحة حول العالم في سبيل تطبيقها.

وتأتي على قائمة أفضل هذه الممارسات الدولية إضفاء الطابع المؤسسي على قطاع الرعاية الصحية وزيادة حجم اللاعبين به؛ الأمر الذي يساعد في إنشاء مجموعات وكيانات مدمجة تسمح بإعادة استثمار من أجل تحسين جودة الرعاية وسلامة المرضى والقدرة على الاستثمار بشكل أكبر في التكنولوجيا الطبية، وتقليل التوزيعات السنوية للأفراد الذين يشغلون مناصب المديرين.

وتعتبر مصر من الدول التى تسعى لإحراز تقدم على مستوى أفريقيا فى إضفاء الطابع المؤسسي على قطاع الرعاية الصحية علاوةً على قدرتها على إفراز قادة آخرين في القطاع نفسه على الصعيد الإقليمي دون التأثير على تلبية احتياجات سكانها من الرعاية الصحية بالإضافة إلى استعدادها للسياحة الطبية على مستوى القارة الإفريقية، إلا أن عملية إضفاء الطابع المؤسسي على قطاع الرعاية الصحية في مصر تتقدم ببطيء، وقبل أن تحقق مصر ذلك التقدم الملحوظ، كانت جنوب أفريقيا من أوائل الدول التي تبنت الطابع المؤسسي قبل 15عامًا؛ مما ترتب عليه وجود سوق مؤسسي في جنوب أفريقيا تقوده نحو 5-6 مستشفيات، وأصبحت مرجعية يتم الرجوع لها فيما يتعلق بجودة الرعاية الصحية والحرص على سلامة المرضى في جنوب أفريقيا.

وكان قسم مختبرات التشخيص في مقدمة من قاموا بإضفاء الطابع المؤسسي في مصر من خلال تكوين إنتيجرتد دياجنوستيكس القابضة (IDH) والتي تضم معامل البرج والمختبر، وكايروسكان/تكنوسكان ومجموعة ألفا وسبيد ميديكال، وهي احدي الأربع شركات التي تمثل 75% من الحصة السوقية لمختبرات التشخيص بالقطاع الخاص، الأمر نفسه ينطبق على سوق الدواء إذ يسيطر عليه 4 أو 5 شركات من حيث الحصة السوقية، وبين هذا وذاك كان سوق المستشفيات المصري الأقل تطوراً وبطئاً في اللحاق بركب الاندماج، باستثناء مجموعات محدودة جدًا في السوق، معظمها فرعي وغير قادر على إحداث فرق إيجابي ملموس في هيكل السوق وإضفاء الطابع المؤسسي عليه في مقابل قطاعات أخرى من الرعاية الصحية مثل التشخيص.

ولدى سوق الرعاية الصحية القدرة على دعم نمو صناعة رؤوس الأموال المصرية من خلال إدراج المزيد من مجموعات وشركات الرعاية الصحية في البورصة وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر من المستثمرين الذين يرون أن الاستثمار في الرعاية الصحية هي نقطة دخول جذابة للسوق المصري فضلاً عن كونها منخفضة المخاطر. ومؤخرا، أعلنت مجموعات مثل إنتيجرتد دياجنوستيكس القابضة عن نيتها الدخول في البورصة بالإضافة إلى استهداف مجموعة ألفا الطبية ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات جنيه خلال الخمس سنوات المقبلة والاستثمارات الأخيرة التي ضختها مجموعة CDC البريطانية بقيمة 100 مليون دولار في مجموعة ألفا من أجل تمويلها لزيادة الطاقة الاستيعابية من حيث السعة السريرية في غرب القاهرة.

ويدعم ذلك طواقم طبية حظيت بتعليم رفيع المستوى من جامعات مرموقة ومؤسسات بحثية كبرى علاوةً على التدريب العملي الذي خضع له العاملين في القطاع الطبي مما يضع مصر في طليعة الابتكار، فضلا عن وجود توجه نحو الاندماج في قطاع الرعاية الصحية في مصر مع ظهور المجموعات التي لها سعة سريرية بالإضافة إلى الطلبات الإضافية بإيجاد مزيد من الأسرّة لتلبية الزيادة السكانية، والاستثمار في التكنولوجيا، وتدريب الطواقم الطبية، ونوعية الرعاية المناسبة لعلاج المصريين والمنافسة على المستوى الإقليمي.

وبالعودة الى القطاعين العام والخاص، نجد أن اللاعبين به قد استثمروا في أحدث التقنيات الطبية في ظل ما يكفي من أدوات للتشخيص مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والجراحة الروبوتية والمسرّع الخطي والأدوات الطبية الذكية. علاوةً على ذلك، هناك تقدم ملحوظ في الخدمات الطبية، إذ أصبحت المجموعات الطبية أكبر وأكثر تنظيمًا ومؤسسية مما جعلها قادرة على جذب الأطباء المصريين العاملين في الخارج خاصة في ظل تواجد المزيد من الأدوات جنبًا إلى جنب مع ميزانية البحث العلمي وغيرها.

وتجدر الإشارة إلى أن شركات التأمين تنفق وحدها أكثر من 40 مليار جنيه سنويًا على الرعاية الصحية بالإضافة إلى التغطية القوية التي توفرها الشركات الكبرى التي تدير برامج الرعاية الصحية الخاصة بها، مما أدى إلى ظهور مقدمو خدمة أكثر تقدماً لديهم فرق دعم قادرة على إدارة عملية شاملة بدءًا من تطوير العمل وإدارة الاتفاقيات التعاقدية مع الشركات الدافعة، مرورًا بالموافقة المُسبقة على علاج المريض والتوثيق.

يأتي ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه شركات التأمين أكثر تطوراً؛ نظراً لبرامج التسجيل وتحليل النتائج الصحية التي تقوم باستخدامها والتي تساهم في توجيه المرضى للمكان الذي يحصلون فيه على أفضل رعاية صحية مع حساب التكلفة بشكل مثالي، وأدى ذلك إلى مزيد من الشفافية بين الجهات الدافعة ومقدمي الخدمة والتي تصب في نهاية المطاف في مصلحة المريض، وبإمكان الجهات الدافعة أيضاً العمل وفق نماذج متعددة مثل الأجر الفردى (ضريبة الأجر الفردى) أو الرسوم مقابل الخدمة.

وفي نهاية المطاف، فإن تركيز الكيانات على الاستدامة وإعادة الاستثمار من أجل النمو وتحسين الجودة، بدلا من العمل فقط على زيادة الأرباح، هو السبيل نحو رفع كفاءة وجودة قطاع الرعاية الصحية بمصر.