عباس شومان : أكل القطط والكلاب حرام شرعا
قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، فى تصريحات له على صفحته بموقع التواصل فيس بوك، إن من المسائل التى تطرح بين الحين والحين ولا حاجة لطرحها لما تثيره من لغط مجتمعى بلا طائل: "مسألة أكل لحم القطط والكلاب وما شابهه كما حدث مؤخرا على إحدى الفضائيات، ويفتى البعض بجواز أكل هذه الحيوانات معتمدين على أمرين اثنين:
الأول .. أن القرآن الكريم لم ينص على تحريمها صراحة وإنما حرم أمورا بعينها وهي: الميتة والدم المسفوح و لحم الخنزير وذلك لقوله -تعالى - (قُل لَّا أَجِدُ فِى مَا أُوحِى إِلَى مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) وكذلك مامات من غير تذكية شرعية بالذبح ونحوه وذلك لقوله -تعالى- :(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) حيث يرون أنه طالما لم ينص فى الآيتين على تحريم للقطط والكلاب ونحوهما فلا يكون أكل هذه الأشياء محرما، لأن الأصل فى الأشياء الإباحة إلا ماورد النص بتحريمه.
والأمر الثانى الذى يستندون إليه .. ورود الإباحة لأكل هذه الأشياء فى المذهب المالكى وهو منسوب أيضا لبعض الصحابة كعائشة وعمر وابن عباس وهو قول الإمام الأوزاعى أيضا. قال القرطبي:(.وقد اختلفت الرواية عن مالك فى لحوم السباع والحمير والبغال. فقال مرة: هى محرمة، لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك، وهو الصحيح من قوله على ما فى الموطأ . وقال مرة: هى مكروهة، وهو ظاهر المدونة لظاهر الآية ، ولما روى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها، وهو قول الأوزاعي).
وهذا الذى يستدل به من يفتون بأكل هذه الأشياء مردود عليه بما يلي:
أولا: قولهم بأنه لا تحريم إلا بنص وحيث لم يرد ذكر هذه الأشياء فى كتاب الله فتكون على أصل الإباحة ، مردود عليه بأن النص على تحريمها موجود وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- فى الصحيحين وفى موطأ الإمام مالك عنون له :قال: بَاب تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ.. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ ”.
فهذا الحديث الذى يمثل قاعدة جامعة لما يحرم أكله ، والثابت بنص من السنة المطهرة كالثابت بنص من القرآن الكريم ، فالقول بحل هذه الأشياء لعدم ورود نص عليها محض افتراء وإنكار للسنة التى هى مصدر التشريع الثانى بعد كتاب الله.
الثاني:أما قولهم بأن جواز حل أكل القطط والكلاب ونحوهما استنادا على رأى المذهب المالكى وبعض السلف فمردود عليه:بأنه فى المقابل يوجد رأى جمهور الفقهاء القائل بتحريم أكلها وهو الصحيح فى المذهب المالكى نفسه كما ورد فى نص القرطبى السابق ذكره،وكما نص عليه الإمام مالك نفسه بعد ذكره حديث التحريم فى موطأه ، فالتحيق يثبت تعدد الروايات فى المذهب المالكى حول جواز أكل هذه الحيوانات ففى المذهب ثلاثة آراء :التحريم ، والكراهة ، والإباحة ، والثابت عن إمام المذهب هو التحريم فالإمام مالك هو صاحب الموطأ وهو من عمد كتب السنة وقد روى فيه حديث تحريم كل ذى ناب وكل ذى مخلب ففى الموطأ:- : بَاب تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ.. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أَكْلُ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ . قَالَ مَالِك: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
فهذا هو الإمام مالك شيخ المذهب يعنون فى موطأه بابا ينص على تحريمها ويؤكد بعد ذكر الحديث بأن هذا هو الرأى عنده، ولذا فإن تحميل مذهبه غير ماصرح به وخطه بيده لايلتفت إليه، وحتى لو ثبت قول آخر عنه أو عن أحد أصحابه أو عن الصحابة فإن العبرة بما ثبت بالنص عند جماهير الفقهاء ومنهم الإمام مالك نفسه ، وتحريم هذه الأشياء ثبت نصها فلامجال للقول بحلها وإلا كان اجتهادا مع النص وهو باطل .
ثالثا: يراعى فى شريعتنا الذوق العام وماتقبله النفس السوّية وماتعافه،وتتغير الفتوى فى المسائل الاجتهادية متى تغّيرت أعراف الناس وأذواقهم وماتقبله نفوسهم وماتعافه ، وهذه الحيوانات مما تعافها النفس السوّية قديما وحديثا ، وهذا يقتضى عدم القول بإباحة أكلها.
ومما يجب التنبيه عليه هنا:هو الفصل بين عدة أمور يخلط بعض الناس بينها منها : الربط بين الحديث عن نجاسة هذه الحيوانات وطهارتها وبين حكم أكلها ، فالمالكية يقولون بطهارة الكلب ويحرمون أكله على الصحيح ، وكذا يجب الفصل بين حكم أكلها وحكم الانتفاع بها، فالقطط ينتفع بها فى مكافحة القوارض مثلا والكلاب مما يجوز الانتفاع بها فى الحراسة والصيد ، وتحريم الأكل لا يستلزم تحريم الاقتناء والانتفاع بها ، كما يجب الفصل بين تحريم أكل هذه الحيوانات وبين الرفق بها فهو واجب وتعذيبها أو قتلها مالم تكن مؤذية حرام ،والرفق بها أدخل رجلا الجنة وتعذيبها أدخل امرأة النار.
وختاما:فإن الحديث فى مثل هذه الأمور التى لاتمثل مطلبا مجتمعيا ، ولايقع الحرج على المكلفين بترك الحديث عنها يعد مضيعة للوقت وفتحا لباب لغط لاينقصنا ولايحتمله الوقت، والأولى بالعلماء العارفين بدينهم ومقاصد شريعتهم الانشغال بما يلبى حاجة المجتمع ،وذلك بالتأكيد على الأحكام الثابتة وتعليمها للناس ، والاجتهاد فى استنباط أحكام تناسب الزمان والمكان وأحوال الناس فيما استجد من مسائل ، وإعادة النظر فى أحكام وردت فى مسائل قديمة ناسبت زمانا غير زماننا ومكانا غير مكاننا ، ولم تعد أحكامها مناسبة لزماننا ومكاننا وأحوالنا من المسائل الاجتهادية التى لم تحسم بنصوص قطعية ، وترك الخوض فيما لاطائل منه إلا فتح أبواب الجدل الأجوف واحب ، كما أن تتبع المسطور فى بطون الكتب والإفتاء به دون نظر إلى مناسبته لحالهم وزمانهم باب عظيم من أبواب الفتنة والإضرار بالدين، فالإمام القرافى المالكى الذى يُحمّل مذهبه ظلما الافتاء بجواز أكل هذه الحيوانات حيث ورد فى كتب المذهب كما سبق هو القائل:( أن الجمود على المنقولات من الضلال فى الدين والجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين) .فاتقوا الله فى دينكم وعلمكم وقولوا قولا حسنا أو اصمتوا.