التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 12:06 ص , بتوقيت القاهرة

فيديو.. وباء زواج القاصرات يضرب قرى القليوبية.. السماسرة ينشطون لتزويج الفتيات بعقود عرفية للسائحين

وصل وباء زواج القاصرات إلى محافظة القليوبية بعدما كان منتشرًا فى جنوب محافظة الجيزة، ليكشف استمرار  مسلسل بيع أشخاص معدومى الرجولة بناتهن لمسنين من السائحين العرب من أجل حفنة من الأموال، لتزول الأموال ويبقى مع بناتهن تذكارا لكن هذه المرة هو طفل برئ ليس له ذنب سوى جشع جده.

 

فى هذا التحقيق نستعرض كارثة ضربت قرى محافظة القليوبية، ليجعل الأب بعدما باع ابنته يرتكب مصيبة أخرى بكتابة الطفل الذى نتج عن تلك العلاقة المشوهة باسمه ليصبح أخ وابن لأمه.

"أطفال مشردة، وأنين فتيات بعمر الربيع يعلوا بلا مجيب، زهور تنطفئ وآمال تموت"، ليس كلمات فى صدر إحدى الكتب الرومانسية، ولا شعارات قد نسمعها بأحد الأفلام السينمائية، بل واقع تعيشه كثيرا من الأسر فى مصر دون أن نشعر بسبب زواج القاصرات أو كما يحبون أن يطلقوا عليه الفقراء دائما "زواج الفقر".

أطفال لا يعرفون أبائهم، أنساب مختلطة،  وجريمة ترتكب فى حق البراءة والمجتمع، واقع تعيشه نساء بقرية "كفر حمزة" بالقليوبية، بعد دخولهن متاهة " زواج المسيار"، لدرجة أن أب باع ابنته الوحيدة مقابل حفنة من الأموال، وفتاة استسلمت وقتلت حلمها من أجل أن تعيش أسرتها فى سعادة.

بقايا أنثى ومستقبل مدمر لطفل وبكاء أب وأنين أم، تلك المشاهد ليست مشاهد درامية بأحد المسلسلات وأفلام هوليود، بل واقع أليم مخلوط ببعض الألم والبكاء داخل كل أسرة بمنطقة " كفر حمزة" بمحافظة القليوبية، بعدما ذهبت تلك الأسر لجحيم " زواج السياحة" دون عودة، وكأنهم أحبوا العذاب عن الراحة، الموت فى الحياة مقابل حفنة من المال".

"ابنى بقى أخويا وابنى فى نفس الوقت، مستقبلنا ضاع وبفكر أقتل ابن بطنى عشان ميشوفش مستقبله مدمر ويعيش فى عذاب".. بهذه الكلمات المصحوبة بالدموع أطلقتها "مريم.م" إحدى ضحايا "زواج السياحة" بقرية كفر حمزة بمحافظة القليوبية.

ورصد "اليوم السابع" رصد قصص سيدات قرية كفر حمزة بالقليوبية، بعد تورط العديد منهن فى كارثة "زواج السياحة"، الأمر لم يقف فقط عند الزواج بل امتد ليشمل كارثة أخرى، وهى كتابة طفل السيدة التى تنجب من جراء زواج السياحة، باسم والدها فيصبح الابن أخا وابنا فى ذات الوقت، نظرا لانتهاء مدة الزواج دون أى مستند يثبت نسب الولد لأبيه الذى ترك الأم وسافر لبلده بعدما قضى بعض من الوقت بحفنة من الأموال.

تبدأ مها محمد حكايتها فتقول: "الحكاية بدأت لما أبويا جوزنى وأنا عندى 15 سنة من واحد سعودى عنده 62 سنة، مقابل مهر كبير وشبكة".

وتروى مها قصتها لـ"اليوم السابع"، قائلة: "جارتنا أم محمد قالت لأبويا أن فى واحد سعودى عايز يتجوز من بنت صغيرة وهيدفع كويس ويجبلها شقة، بس الجواز هيكون عرفى علشان ظروفه، وظروفنا كانت زى الزفت لدرجة أنى مكملتش فى المدرسة، أبويا وافق مكنش قدامى غير أنى أوافق مقدرتش أتكلم، جيه الشيخ محمد شافنى وعجبته ودفع مهر 10 آلاف جنيه وجابلى شقة قريبة من بيتنا وعشنا فيها لمدة شهر".

وأضافت ضحية زواج القاصرات: "بعد شهر كامل جات أم محمد وقالت لأبويا أن الشيخ محمد عايز يسافر وينهى الموضوع، وافقنا ما احنا كده كده متجوزين عرفى وفى أى لحظة ممكن يقطع الورقتين ويمشى، دفعلنا 5 آلاف جنيه وسافر بلده".

وتابعت مها حديثها: "عرفت أنى حامل بعدها بـ3 شهور حاولت أنزله الدكتور قالى خطر عليكى وصحتك متستحملش، روحت للخاطبة قالتلى معرفوش واحد بيجيى يتجوز وبيمشى معرفش عنه حاجة، وأم محمد نصحتنى أن أكتب البنت باسم أبويا وقالتى إن فى ناس كتير عملوا كده، وكتب البنت باسم أبويا وبقت بنتى وأختى، حياتنا أدمرت بعنا لحمنا بـ15 ألف جنيه، أنا عايزة أموت فى كل لحظة حسبى الله ونعم الوكيل".

وفى ذات السياق قال محمد سيد والد مها: " أنا هعمل أيه احنا بنشحت والله بشحت علىشان أكل، لما يجيلى حد يقولى بيع عرضك هعمل أيه، مش هفكر هبيعه أيوة هبيعه مهو كده كده هيتباع، أبيعه دلوقتى بمزاجى ولا أستنى لما أدخل السجن ويتباع من ورايا، احنا مش عايشين".

تلتقط " أسماء.س"، أطراف الحديث فتروى قصتها بدموع لم تتوقف، فتقول: "حكايتى بدأت وأنا عندى 18 سنة، جالى عريس من دولة خليجية وكان شيخ كبير فى السن جاى من طرف واحد هنا سمسار فى البلد عندنا، دفعلى مهر وشبكة 40 ألف جنيه، أبويا وافق واتجوزنا بعقد عرفى عند محامى جارنا".

وتكمل أسماء روايتها لـ"اليوم السابع": " بعد 3 شهور طلقنى وسافر وطبعا قطع الورق قبل ما يمشى وإدانى 10 آلاف جنيه، بعدها تعبت لما كشفت لقيت أنى حامل معرفتش أعمل أيه ولا أروح فين، جيرانا نصحونى أكتب الولد باسم أبويا ونقفل على الفضيحة، بعد ما ولدت كتبت ابنى فعلا باسم أبويا ودلوقتى مش عارفة أعمل أيه هو عنده سنتين ومش عارفة أجيب حقه ولا عارفة لما يكبر هعامله أزاى".

بصوت يظهر عليه علامات الحزن الكبير، تتحدث " منال.أ" عن قصتها فى زواج القاصرات، فتقول: "والله ما عارفة أنا عملت كده ازاى، أبويا باعنى بشوية فلوس لواحد أكبر منه، حملت وولدت بنت وأهى لحد دلوقتى متكتبتش باسم حد، داخلة فى سنة ولسه ملهاش شهادة ميلاد ولا ليها أى حاجة، طب لما تكبر هقولها أيه، طب هتعيش أزاى وسط الناس، والله فكرت اقتلها وأقتل نفسى بس خايفة من ربنا والأخرة، مش عارفة هعمل أيه حسبى الله ونعم الوكيل فى كل اللى بيشترى لحم الناس بالفلوس".

ومن جانبه قال الدكتور شوقى السعيد الفقيه القانونى، إن تكلفة الزواج الباهظة وانحدار الأخلاق، سبب رئيسى وأولى فى انتشار ظاهرة زواج القاصرات، مشيرًا إلى أن بعض الأسر الفقيرة لا تجد ملجأ للحصول على المال إلا بيع أطفالها بهذه الزيجات.

وأضاف السعيد، لـ"اليوم السابع": "للأسف الشديد بعض رجال الدين يحللون هذه الزيجات عبر الفضائيات ووسائل الإعلام، مما يؤدى ونتيجة لقلة الثقافة وانتشار الجهل فى انتشار الظاهرة."

وأوضح الفقيه القانونى، أن نسب الطفل إلى والد الزوجة جريمة لا يجب التغافل عنها، مؤكدًا على أنه يحق للزوجة رفع دعوى نسب، لنسب الطفل لأبيه الحقيقى وضمان حقه الاجتماعى والنفسى والقانونى.

وفى السياق ذاته، أكد المستشار رفعت السيد رئيس محكمة الجنايات السابق، على أن نسب الطفل لأب الزوجة هى جريمة تزوير تعاقب عليها الأم بالسجن حال كشف الواقعة، مشددًا على أن هناك وسائل عديدة لكشف هذه الجريمة منها تحليل “dna”، وبصمة القدم وأشياء عديدة أخرى.

وأضاف السيد، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الأم من حقها أن ترفع دعوى نسب الولد من الفراش، بإحضار اثنين من الشهود إذا كان الحمل بدون زواج، أما إذا كان زواج عرفى فعليها إحضار عقد الزواج للمحكمة لإثبات نسب الطفل، مما يؤدى لحفظ حقوق الطفل القانونية والاجتماعية.

ومن الناحية النفسية، قال الدكتور مينا جورج أخصائى الطب النفسى، إن الوضع الذى يتواجد فيه الأم والطفل وضع غير طبيعى بالمرة، فالمجتمع ينظر للطفل نظر أنه "ابن حرام"، وفى نفس الوقت ينظر للأم أنها ليست سيدة شريفة، مما يؤدى لحالة نفسية سيئة للغاية للطفل.

وأكد جورج، لـ"اليوم السابع"، على أن الأب الذى يرضى بان تتزوج ابنته مثل هذه الزيجات يعانى من مشكلة نفسية قبل المادية، وكذلك الزوجة لديها مشاكل نفسية، فالطفل سينشأ وسط أسرة مليئة بالمشاكل النفسية إضافة لنظرة المجتمع السيئة، وبالتالى يصبح مصيره إما أنه سيصبح شخص عدائى للمجتمع ككل، أو أنه سيذهب لطريق المخدرات فى محاولة لإثبات ذاته.

وأوضح أخصائى الطب النفسى، أن الأم ترى فى الطفل عقبة فى حياتها نتيجة خطاء ترى أنه ليس مسئولة عنه، وبالتالى من الطبيعى أن تفكر فى قتل الطفل أو تلجاء للعنف ضده بأى شكل كان، مشيرًا إلى أن الأم يمكن أن تذهب لطريق المخدرات فى محاولة للهروب من الضغوط النفسية التى تحيط بها.

ولفت جورج، إلى أن الحل يكمن فى زواج الأم مرة أخرى بشخص لديه نفس الظروف، كحل أخر لإنقاذ حياة أنثى مازالت فى ريعان شباباها، مؤكدًا على أن التشوهات التى تنتج لدى الطفل فى غياب الأب عقبات لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها.

ومن الناحية الدينية، قال الدكتور يحيى إسماعيل، أمين جبهة علماء الأزهر، إن هذا الزواج نوع من الدعارة والفسق والتدليس والغش، لأن الأم تضع طفلها فى منزلة أخاها بكتابته باسم والدها، وهو تغيير فى شرع الله، فابن البنت لا يرث أما الأخ فيرث وهو تغيير خطير فى شرع الله.

وأضاف أمين لجنة علماء الأزهر، لـ"اليوم السابع"، أن الرسول صل الله عليه وسلم، لعن من غير فى منارات الأرض والشرع منارة من منارات الأرض، فهذا الزواج يتسبب فى خلط الأنساب وتضييع الحقوق وفساد الاسرة بأكملها، مؤكدًا على أنه يدمر القواعد والدين والتقاليد والأصول.