صور.. في ذكرى بدء حفر قناة السويس.. الفراعنة أول منفذي الفكرة
مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798، فكر نابليون بونابرت في شق قناة تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط، إلا أن تلك الخطوة لم تكلل بالنجاح، وبعد مرور 54 عامًا، استطاع المهندس الفرنسي "ديلسبس" إقناع محمد سعيد باشا بالمشروع، وحصل على موافقة الباب العالي، فقام بموجبه بمنح الشركة الفرنسية برئاسة دي لسبس امتياز حفر وتشغيل القناة لمدة 99 عام.
قناة السويس هذا الممر المائي الذي استغرق 10 سنوات، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، مات منهم أكثر من 120 ألف شخص أثناء عملية الحفر، نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، وتم افتتاح القناة عام 1869 في حفل مهيب وبميزانية ضخمة، وفي عام 1905 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عامًا إضافية، إلا أن تلك المحاولة لم تنجح مساعيها، وفي يوليو عام 1956 قام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، والذي تسبب في إعلان بريطانيا وفرنسا بمشاركة إسرائيل الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي والذي انتهى بانسحابهم تحت ضغوط دولية ومقاومة شعبية.
وفي ذكرى بدء حفر القناة، نستعرض خلال السطور التالية أصل الفكرة منذ القدم وحتى تنفيذها:
أصل الفكرة
لا يتخيل أحد أن المصريين القدماء، هم أول من شق قناة لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، وذلك عن طريق نهر النيل وفروعه، حيث كانت أول قناة أنشأها الملك سنوسرت الثالث، أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 قبل الميلاد، ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات تحت عدة أسماء، منها: قناة سيتي الأول عام 1310 ق.م، ثم قناة دارا الأول عام 510 ق.م، وقناة بطليموس الثاني عام 285 ق.م، وقناة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان عام 117، وقناة أمير المؤمنين عام 640، بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، وظلت 150 عامًا إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردم القناة، التي كانت تصل بين الفسطاط والسويس، وذلك منعًا لوصول أية إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، ومن ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل.
رسم قديم يظهر مسار القناة من جهة السويس.
رأس الرجاء الصالح
مع حلول عام 1820، اكتشف البرتغالي فاسكو، طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي، ما ألحق بخسائر كبيرة في اقتصاد وتجارة مصر المملوكية واقتصاد البندقية ونابولي وجنوة بشكل بالغ، فما كان من أمراء البندقية إلا أن وفدوا على مصر عام 1501 ليعرضوا على السلطان الغوري فكرة الاستغناء عن طرق القوافل واستبدالها بالنقل عبر النيل بحفر قناة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض، إلا أن ظروف مصر وصراعها مع العثمانيين في ذلك الوقت، والذي انتهى باحتلالهم للقاهرة عام 1517 لم يسمح بإنشاء مشروع بهذا الحجم، ومات المشروع حتى اقترحه الفيلسوف الألماني الشهير لايبيتز، على الملك لويس الرابع عشر، في إطار مشروع شامل لغزو مصر، ولكن الملك لويس لم يُرِد إغضاب الباب العالي في الأستانة من ناحية، ولأن أحلامه التوسعية كانت في أوروبا.
غرق القاهرة
حينما اندلعت الثورة الفرنسية، دخلت الفرنسيون في صراعات مسلحة دموية مع ممالك أوروبا، واستطاعوا الانتصار عليها إلا مملكة واحدة وهي إنجلترا، فأرادت فرنسا قطع طريق المستعمرات البريطانية في الهند باحتلال مصر، فقامت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798.
مع وصول الحملة إلى مصر أعطت حكومة الديركتوار، التي كانت تحكم فرنسا أمرًا مباشرًا لنابليون بونابرت بالقيام بحملة لحفر قناة تربط بين البحرين، ولذا كانت تسمى قناة البحرين، فخرج نابليون من القاهرة ومعه مجموعة من المهندسين يرأسهم مهندس يدعي لوبير، لمعاينة الموقع هندسيًا عند السويس، والبدء في الحفر.، إلا أن لوبير، أقنع نابليون بالعدول عن المشروع، لأنه اكتشف أن مستوى البحر الأحمر أعلى من مستوى البحر الأبيض، مما سيتسبب في غرق مصر كلها.
الأعمال الهندسية أثناء حفر القناة.
قبول الفكرة
عقب عودة نابليون إلى فرنسا عام 1801 بعد فشل حملته على مصر التي استمرت 13 شهرًا، أرسل دبلوماسيًا اسمه ماتيو دي لسبس، إلى مصر لاختيار والي لمصر موالي لفرنسا يحكمها، بعد أن قام الإنجليز باختيار البرديسي، فوقع اختيار ماتيو دي لسبس، على محمد علي، الضابط الألباني القريب من شيوخ الأزهر، فاصطفاه وقدم له المشورة والمساعدة، وهو ما لم ينساه محمد علي، وعندما مات ماتيو دي لسبس، جاء ابنه الشاب فرديناند دي لسبس، كقنصل مساعد لبلاده فرنسا في الإسكندرية، واستقبله محمد علي بحفاوة كبيرة، وعرض عليه أن يعمل في القصر مربياً ومعلماً لابنه محمد سعيد باشا وعلى إثر ذلك توطدت عرى الصداقة بين الدبلوماسي الفرنسي والأمير.
فرديناند دي لسبس
وبعد أن جاء سعيد باشا إلى سُدة الحُكم، في وقت كانت أسرة دي لسبس تعاني الفقر والعزلة منذ سقوط إمبراطورية نابليون، فما كان من دي لسبس إلا أن ركب أول سفينة متجهة للإسكندرية ليصلها في 7 نوفمبر 1854 ويلتقي بصديقه الذي أصبح خديوي مصر في 11 نوفمبر، وهناك عرض دي لسبس مشروع حفر القناة على سعيد باشا الذي قبل فوراً ما رفضه والده وكأن سعيداً أراد أن يعبر عن امتنانه لصديقه القديم الذي كان يقدم له الأكل الذي حرمه منه والده داخل القصر.