التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:14 ص , بتوقيت القاهرة

في عيدهما.. تعرف على رسالة نزار قباني الرومانسية لأمه

نزار قبانى
نزار قبانى

جمعته علاقة استثنائية بوالدته، جعلته لا ينفصل عن ثديها حتى سن سبع سنوات، فانعكس هذا الترابط بالنهد إلى ذكرى هيمنت على مجمل قصائده الشعرية، جعلت بعض علماء النفس بلقبونه بـ" عاشق أمه"، لسيطرة كلمة "نهد" على مجمل قصائدة الشعرية، ويرجعون سرهيمنة الكلمة إلى تجربة الرضاعة الطويلة التي لازمت " نزار قباني".

العلاقة القوية بين نزار قباني وأمه عبرت عنها أشعاره في أكثر من قصيده، وهو لا ينسى تدليله الشديد منها، حيث تمثل في استمرارها في إطعامه بيديها، حتى سن الثالثة عشرة من عمره.

وخلال مسيرته التي تتزامن ذكرى ميلاده اليوم مع عيد الأم، ليجمعهما عيد واحد جمعت بينهما الموسيقى، التي تحولت إلى حلم له فى بداية حياته، حيث كان يتمنى أن يكون موسيقيا، ودفعه هذا الحلم إلى اقتناء عود، فى الوقت الذي طلب من والدته أن تحضرمدرسا للموسيقى، ولكن بدايته معه لم تكن موفقة لأنه بدأ معه تعليم النوتة، ولم يكن يحب الرياضيات فعزف عن تعلم الموسيقى، وغرق في الشعر، وكتب أجمل الكلمات في غرام والدته وهو يقول لها فى إحدى قصائده

طفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر ولم أعثر

على امرأة تمشّط شعري الأشقر

وتحمل في حقيبتها.. إليّ عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى وتنشلني إذا أعثر
أيا أمي.. أيا أمي.. أنا الولد الذي أبحر
وما زالت بخاطره تعيش عروسة السكر

ثم يعاود "قباني" الكتابة عنها في قصائده، وهو يحمل لها رسائل المحبة في أشهر قصيدة لها حملت عنوان "خمس رسائل إلى أمي".

صباح الخير يا حلوه
صباح الخير يا قديستي الحلوه 
مضى عامان يا أمي 
على الولد الذي أبحر 
برحلته الخرافيه 
وخبأ في حقائبه 
صباح بلاده الأخضر 
وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر 
وخبأ في ملابسه 
طرابيناً من النعناع والزعتر 
وليلكةً دمشقية.. 
أنا وحدي.. 
دخان سجائري يضجر 
ومني مقعدي يضجر 
وأحزاني عصافيرٌ.. 
تفتش –بعد- عن بيدر 
عرفت نساء أوروبا.. 
عرفت عواطف الإسمنت والخشب 
عرفت حضارة التعب.. 
وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر 
ولم أعثر.. 
على امرأةٍ تمشط شعري الأشقر 
وتحمل في حقيبتها.. 
إلي عرائس السكر 
وتكسوني إذا أعرى 
وتنشلني إذا أعثر 
أيا أمي.. 
أيا أمي.. 
أنا الولد الذي أبحر 
ولا زالت بخاطره 
تعيش عروسة السكر 
فكيف.. فكيف يا أمي 
غدوت أباً.. 
ولم أكبر؟ 
صباح الخير من مدريد 
ما أخبارها الفلة؟ 
بها أوصيك يا أماه.. 
تلك الطفلة الطفله 
فقد كانت أحب حبيبةٍ لأبي.. 
يدللها كطفلته 
ويدعوها إلى فنجان قهوته 
ويسقيها.. 
ويطعمها.. 
ويغمرها برحمته.. 
.. ومات أبي 
ولا زالت تعيش بحلم عودته 
وتبحث عنه في أرجاء غرفته 
وتسأل عن عباءته.. 
وتسأل عن جريدته.. 
وتسأل –حين يأتي الصيف- 
عن فيروز عينيه.. 
لتنثر فوق كفيه.. 
دنانيراً من الذهب.. 
سلاماتٌ.. 
سلاماتٌ.. 
إلى بيتٍ سقانا الحب والرحمة 
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة "ساحة النجمة" 
إلى تختي.. 
إلى كتبي.. 
إلى أطفال حارتنا.. 
وحيطانٍ ملأناها.. 
بفوضى من كتابتنا.. 
إلى قططٍ كسولاتٍ 
تنام على مشارقنا 
وليلكةٍ معرشةٍ 
على شباك جارتنا 
مضى عامان.. يا أمي 
ووجه دمشق، 
عصفورٌ يخربش في جوانحنا 
يعض على ستائرنا.. 
وينقرنا.. 
برفقٍ من أصابعنا.. 
مضى عامان يا أمي 
وليل دمشق 
فل دمشق 
دور دمشق 
تسكن في خواطرنا 
مآذنها.. تضيء على مراكبنا 
كأن مآذن الأموي.. 
قد زرعت بداخلنا.. 
كأن مشاتل التفاح.. 
تعبق في ضمائرنا 
كأن الضوء، والأحجار 
جاءت كلها معنا.. 
أتى أيلول يا أماه.. 
وجاء الحزن يحمل لي هداياه 
ويترك عند نافذتي 
مدامعه وشكواه 
أتى أيلول.. أين دمشق؟ 
أين أبي وعيناه 
وأين حرير نظرته؟ 
وأين عبير قهوته؟ 
سقى الرحمن مثواه.. 
وأين رحاب منزلنا الكبير.. 
وأين نعماه؟ 
وأين مدارج الشمشير.. 
تضحك في زواياه 
وأين طفولتي فيه؟ 
أجرجر ذيل قطته 
وآكل من عريشته 
وأقطف من بنفشاه 
دمشق، دمشق.. 
يا شعراً 
على حدقات أعيننا كتبناه 
ويا طفلاً جميلاً.. 
من ضفائره صلبناه 
جثونا عند ركبته.. 
وذبنا في محبته 
إلى أن في محبتنا قتلناه...