خمس أسئلة حول الثانوية العامة..؟ مُعلم غائب عن المدرسة = طالب غائب عن فصله
بعض الكلام في قضايا بعينها، يبدو مكررا معادا، ومنها قضية الثانوية العامة، وحينما يعاد فتح الكلام فيها، نشعر أننا قد قلنا ما نحن بصدد قوله، فييأس البعض، ويقرر تحاشي الموضوع، وربما يكون الهدف من تجاهل الاستجابة لمطالبات الماضي بإصلاح الأوضاع المختلة، هو أن يتحول المختل إلى الأصل، ويتحول الوضع الشاذ إلى الوضع الأصلي، وهكذا نيأس من أي محاولات جادة للإصلاح.
أكتب هذه السطور بعد مناسبة عائلية جمعتني بابنة شقيقي، الطالبة في مرحلة الثانية العامة، وجهها فقد نضارته، وهالات سوداء ظهرت أسفل عينيها، فقدت بضعة كيلومترات من وزنها، اسألها: أنتي بتذاكري جامد قوي كدا..؟ فترد والدتها: بتصحى الساعة 6 الصبح، عشان تروح الدرس الساعة 8، لحد الساعة 12 الضهر، أقول: دا في وقت المدرسة..فتقول الأم: مفيش مدرسة..مش بتروح طول السنة.
التفت إلى ابنة شقيقي واسألها: والغياب..؟ فترد: روحت مرتين، كانوا هددونا بالفصل بسبب الغياب، بس محدش بيروح، كل المدرسة مش بتروح.
نحن نقرأ كثيرا عن إصلاح وتطوير التعليم، ونقرأ أكثر عن أخبار غلق مراكز الدروس الخصوصية، ونطمأن إلى أن جميع الأطراف أدت ما عليها، وبذلت كل الجهد لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية، ولكن هل حقا ستنتهي الدروس الخصوصية، كما قال وزير التعليم طارق شوقي، أنها "ستموت عام 2020"؟
وغدا تعقد الحكومة اجتماعا استثنائيا لمناقشة تطوير التعليم، إذن فالقضية حاضرة، وليست غائبة، وهي في عقول وقلوب المسؤولين، فلماذا يتأخر حسم بعض الإشكاليات فيها؟
وهل يجب أن ننتظر حتى عام 2020 لنتأكد بأنفسنا أن الدروس الخصوصية ماتت؟ وماذا نفعل إذا لم تمت في 2020؟
نجح وزير التعليم طارق شوقي في إصلاح تسريبات امتحانات الثانوية العامة، وهي كانت فعلا خطرا، ونذير فوضى هائلة، وإشكالية بشعة تهدد نظام التعليم، لذلك استحقت أن توصف بأنها مشكلة أمن قومي.
لكن مع ابتكار نظام البوكليت، ومواجهة معضلة التسريب، والقضاء عليها، لم نصل لفكرة مبتكرة حتى الآن لمواجهة الدروس الخصوصية، ولكن هاهي فكرة مبتكرة: لماذا لا تنضبط العملية التعليمية في المدارس..؟ لماذا لا تتوجه الحملات التفتيشية إلى المدارس الخالية على عروشها لتسأل مسؤوليها: لماذا لا تقومون بدوركم في الشرح للتلاميذ والطلاب؟
طالب غائب = مدرس غائب = إدارة مدرسية غير قادرة على تحقيق الانضباط
هل المعادلة أعلاه خاطئة؟ أم معادلة سليمة؟
وهل المعادلة أعلاه حقيقية..؟ أم متجنية؟
سيسارع البعض بجلب كشوف الحضور والانصراف للمدرسين، وسيعرضها في وجهي مكذبا قولي عن غياب المعلمين، لكن السطور أعلاه لا تتحدث عن كل المدارس، ولا تتحدث عن كل المعلمين، بل تتحدث عن حالات، تسببت فيها عدم انضباط المدارس، لتسرب التلاميذ والطلاب إلى مراكز الدروس الخصوصية، وإذا لم نجد في البيت طعاما، فسنأكل في الشارع، أليس ذلك هو ما يحدث؟ ونحن نعلم كيف يتم ضبط كشوف الحضور والانصراف، ونعرف جيدا كيف يتم "تسوية الدفاتر والورق ورقنا".
وإن كان ثمة خطأ في المعادلة أعلاه..لماذا يغيب الطلاب عن مدارسهم..؟ ولماذا تنشط "سناتر الدروس الخصوصية" في الوقت الذي تنام فيه المدارس؟ أو يغيب عنها طلابها؟ معروف أن مدرسة بدون طلاب ليست مدرسة، ومعروف أيضا أن قوافل التعليم التي تدشنها الوزارة، أو مجموعات التقوية التي تحفز الطلاب على الانضمام إليها، لا تطمئن هؤلاء، ولا أولياء أمورهم، كيف نساعد الآباء والأمهات على الثقة في مجموعات التقوية؟ وكيف نوقف استنزاف الأسر الهائل في الدروس الخصوصية؟
الدروس الخصوصية اقتصاد موازي، تبتلع المراكز ميزانيات الأسر، وتحويشة عمرها، هذا المال "السائب" أين يذهب بعد ذلك؟ وتلك الجيوب المتخمة بأموال الطلبة وأسرهم..؟ لماذا يبقى بدون رابط أو حساب؟ ألا توجد جهة تحاسب المعلمين والمدرسين على هذا العمل غير القانوني في مراكز الدروس الخصوصية، وهم يقبضون – حتى لو مرتبات هزيلة- من الوزارة ومن الدولة.
ألا يعد هذا العمل الجانبي الذي يؤديه في وقت عمله الأصلي بالمدرسة، عملا غير مشروعا، لأن وقته ملك مؤسسة المدرسة التي يغيب عنها، مثلما يغيب الطالب عنها أيضا للقاء مدرسه الذي لم يجده في مدرسته؟
تقول المعادلة: أن طالبا ذهب إلى المدرسة فلم يجد مُعلمه، وذهب إلى الـ"سنتر" فوجده، وهناك دفع له مرة أخرى، ليتلقى نفس المادة التعليمية التي كان يجب أن يتلقاها في المدرسة التي – دفع فيها الطالب نفسه أولا.
تدفع بعض الأسر- تلك التي ينتظم أبناؤها في مدارس خاصة أو لغات- مرتان، مرة حينما تسدد مصاريف أبنائها في المدارس ذات المصاريف المرتفعة، ومرة أخرى حينما تدفع مصاريف "السناتر" للدروس الخصوصية، أليس في ذلك إهدارا لأموال الدولة، وإهدارا لتحويشة عمر الأسر، التي تبحث لأبنائها عن موطئ قدم في كلية جيدة من أجل مستقبل أفضل للأبناء.
نحتاج لفكرة مبتكرة - لا أملكها- لمواجهة الدروس الخصوصية، فغلق المراكز و"السناتر" لن يكون هو الحل الأكيد، والقوافل التعليمية لن تحل أيضا، ومجموعات التقوية ربما تكون حلا، لكنه غير كافي للكثير من الأسر التي تتعاقد لأبنائها مع السناتر، وقبل أية إجراءات عنيفة أو رادعة، لماذا لا نعالج المعادلة..المعلم والطالب