إيقاف "القومية للأسمنت" كارثة تؤدى لاحتكار السوق وإهدار المال العام
رغم ما يقوم به الرئيس عبد الفتاح السيسى من مشروعات قومية كبرى، وحثه الحكومة في كل مؤتمر على تشجيع الاستثمارات وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة ومساعدة المتعثر منها، إلا أننا فوجئنا منذ أيام بقرار وزير قطاع الأعمال العام بوقف مصانع الشركة القومية للأسمنت – إحدى أهم شركات الأسمنت فى مصر حتى عام 2012، حيث كان تورد أرباحا للحكومة قدرها 2 مليار جنيه- بحجة وقف الخسائر التى تخطت فى عامها الأخير نحو المليار جنيه، رغم أنها تكلفت 2 مليار جنيه لتطويرها فى نفس الفترة.
وحالة بهذا الشكل، لا يمكن لأحد أن يصفها من الوهلة الأولى، إلا بأنها صورة من أبشع صور الفساد وإهدار المال العام، حيث لا يمكن لأى شركة أن تنهار بهذا الشكل السريع والقوى، وبدون مبرر، وكأنه إهدار متعمد، إلا بوجود فساد كبير في إدارتها أو على الأقل عدم كفاءة.
المشكلة، أنه حتى الآن لا يوجد تدخل واضح من مجلس الوزراء أو مجلس النواب تجاه هذه الأزمة، إلا بعض التصريحات هنا وهناك دون مواقف على الأرض.
والمشكلة الأكبر، ليست فى توقف شركة وطنية بهذا الحجم فقط، وإن كانت هى كارثة في حد ذاتها، ولكن المشكلة فى تداعيات هذه الأزمة التى لم تلتفت إليها الحكومة حتى الآن، ومن أبرز معالما، وجود 2372 عاملا بالشركة يترقبون مصيرهم بعد قرار الحكومة وخسائر الشركة، والتى تعد حاليا الكيان الوطنى الوحيد فى مجال صناعة الأسمنت، رغم أن تلك الخسائر قد بدأت منذ العام المالى 2013- 2014.
تداعيات هذه الأزمة لن تتوقف على حجم الخسائر ولا مصير العمال، ولكنها ستمتد أيضا لأسعار الأسمنت فى السوق المصرى، المتعطش للأسمنت بسبب المشروعات الكبرى التى يتم تنفيذها حاليا، وتحتاج إلى كميات ضخمة من الأسمنت، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع المليون وحدة سكنية، والمشروع القومى للطرق، بالإضافة إلى الاستهلاك الطبيعى للمواطنين، وهو ما سيؤدى إلى ارتفاع كبير في سعر الأسمنت، خاصة في ظل توقف مؤقت لشركة أسمنت سيناء، بسبب العملية العسكرية في سيناء حاليا.
ومخاوف ارتفاع الأسعار بدأت بالفعل بإعلان الشركات العاملة فى السوق منذ يومين وعقب قرار إيقاف الشركة القومية للأسمنت رفع سعر الطن بنحو 300 جنيه دفعة واحدة ليصل سعر طن الأسمنت إلى 1120 جنيها ارتفاعا من 820 جنيه لأول مرة فى تاريخه، بعد أن أرسلت الشركات رسائل نصية لموزعيها برفع السعر، وهو ما سيفتح الباب من جديد لسياسات احتكارية في السوق في غياب المنتج الوطنى وتعطش السوق.
وهو ما دفع جمعية مثل جمعية "مواطنون ضد الغلاء" مؤخرا إلى الإعلان عن عزمها تقديم بلاغ إلى جهاز حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية، ضد الشركات العاملة في السوق بسبب الاتفاق على رفع الأسعار عقب توقف الشركات الوطنية، واستغلالا لتعطش السوق لتحقيق أرباحا مضاعفة تصل إلى 200%، في الوقت الذى يطرح فيه مصنع القوات المسلحة طن الأسمنت بـ710 جنيهات.
كل هذه الوقائع تؤكد أن هناك ثمة تعمد واضح، للإضرار بهذه الشركة والصناعة الوطنية، ويحتاج إلى تدخل سريع من الحكومة بكل هيئاتها الرقابية للتحقيق فى هذه الكارثة، والوقوف على أسبابها، وإعادة الشركة إلى عملها، حيث إن الخسائر الكبيرة مفجعة وبدون مبرر، فنصف المبالغ التى تم إهدارها على تطوير الشركة فى عام والتى تقدر بـ2 مليار جنيه بدون أى نتيجة، كانت كفيلة بأن تؤسس شركة أسمنت ضخمة من جديد وليس إصلاح وتطوير مصنعين بشركة قائمة ولها حصة سوقية كبيرة فى السوق، فهل ستتدخل الحكومة سريعا؟ أم ستنتظر أيضا تدخل الرئيس السيسى شخصيا لحلها كما هى العادة؟