التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 08:50 م , بتوقيت القاهرة

"سعادة وتسامح" الإمارات وسفارة صلاح في إنجلترا.. فكر حتى آراك

لم يكن يدري ذلك الشاب المتفاخر بذاته، الذي أتى معلمه "سقراط" متباهيا بهيئته وطوله وعرضه، أن الصورة وحدها لا تكفي أن تكون عنوانا للنجاح، ولم يخطر بباله أن الحياة تتطلب مزيدا من المقومات يحددها العقل، ويترجمها اللسان، كي يحصل على التقييم المناسب من متلقي رسالته... هكذا غفل التلميذ عن المعنى والمضمون الحقيقي لرسالته، فصدمه الأستاذ بجملته الخالدة "تكلم حتى آراك".


لسنوات متعاقبة، عجزنا عن فهم الآخرين، اتهمنا من لا ينطق لغتنا ويدين بديننا بقائمة طويلة من الاتهامات، بدأت بعدم الفهم، مرورا بالكفر، انتهاء بالجحود والعنصرية وباقي المصطلحات العصرية التي حاولنا من خلالها التغطية على فشلنا، وخطأ خطابنا، وعجزنا عن توصيل الرسالة بالشكل الذي به يكتب لها النجاح.


لافتة صلاح في ليفربول


سنصبح مسلمين


"لو سجل المزيد سنصبح مسلمين أيضا".. لافتة علقت في مدرجات ملعب أنفيلد، بمدينة ليفربول الإنجليزية، حيث مقر سفارة دولة السفير محمد صلاح، مثلت فرحة للبعض، وصدمة لآخرين، فيما كان الأولى بنا أن نحلل مضمونها، ونقرأ رسالتها، ونقف مع أنفسنا نفكر، لنسألها " من وكيف ولماذا".


من؟ محمد صلاح لاعب كرة قدم.. لماذا؟ .. لأنه اجتهد، وكافح، وأحب الجميع، وقدم نموذجا يحتذى به.. كيف؟.. تعالى نعرف كيف


على التاريخ أن يكتب من الآن، أن لافتة علقت في معقل من معاقل شعوب العنصرية وكره المهاجرين، نسفت العنصرية، وتجاوزت المعتقدات، وأثبتت فشلنا القديم في تقديم أنفسنا ورسالتنا وثقافتنا، وحتى ديننا، فالشخص الذي كتب له الإنجليز هذا الكلام لم يأت بلادهم ليبشرهم بالإسلام، ولم يخوفهم من عذاب النار، ولم يشرح لهم عذاب القبر، ولم يبشرهم بالجنة المحرومين من دخولها، غير أنه قدم نموذجا جيدا لإنسان عربي مسلم.


الملك المصري صلاح


عرب ومسلمين أكفاء


 دون أن يقولها، أثبت لهم أن هناك عربا ومسلمين أكفاء ومخلصين في عملهم..  دون أن يذكرها، أثبت لهم أنه العربي المسلم الذي يحب الجميع ولا يكره أحدا.. دون أن ينطقها لسانه، قدم لهم نموذجا لشخص مثالي يحب عمله والناس والحياة.. فعرفوا أن هولاء القوم لا يكرهون الحياة، وليسوا كسالى، بل أكفاء مجتهدين، لا يتفاخرون بأنهم سيدخلون الجنة في الآخرة دون غيرهم، بل يحاولون جعل الحياة في ذاتها جنة تسع الجميع، لديهم رسالة في الحياة غير الموت وفوائده، والجنة والنار والجذور الطيبة والحضارة القديمة... باختصار أخبرهم عن عرب ما زالوا أحياء، ولا يعيشون بكاءً على الأطلال، وتفاخرا بحضارة ومجد قديمين، فضلا عن الجديد الذي لا يعرفوه عن الشخصية العربية المسلمة، وهو الكفاءة والإخلاص والتفاني في العمل، فأنجز ما فشل في إنجازه من أوكل إليهم هذه المهام، وحقق ما لم تحققه دبلوماسيات، أو علماء دين، أو غيرهم من القوة الناعمة لثقافتنا وحضارتنا.



من صلاح للإمارات.. أمل وسعادة وتسامح


يأخذنا الحديث عن الفكر والرسالة والنموذج، لمثال آخر للتفكير خارج الصندوق، والبعد عن الأفكار المغلفة والمغلقة والمعلبة التي صدأت في عقولنا، فلم تؤت ثمارا، ولم تصل لغيرنا، لأننا بالأساس غير قادرين على استيعاب أنها لم تعد صالحة!


في دولة الإمارات العربية، حاولوا تقديم السعادة للمواطنين، فلم يوكلوا المهمة لوزارة مهمتها تقديم الأموال والمساعدات مثلا، ولم يكلفوا مجموعة بعمل فيلم تسجيلي عن جهود الحكومة في هذا الشأن، فقرروا التحليق بالرسالة بعيدا، فاستحدثوا وزارة للسعادة، وكلفت بتقديم هذه الأمنية الغالية، باقتراح سبل وقوانين وقرارات، تحقق الغرض للشعب.


محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبى


لما نجحت التجربة داخليا، وسمع لها صدى خارج حدود الدولة، قرروا السير على هذا الخط الجديد من الفكر، واستحدثوا وزارة للتسامح، وأوكل إليها مهمة تحقيق هذه الغاية المهمة داخل أي مجتمع، فهل هناك أغلى من التسامح أمنية يضمن بها المجتمع السلام والإنجاز؟.. هكذا لم تسند هذه المهمة لوزارة مكلفة بتطبيق القانون، أو مجموعة مهمتها شرح عقوبة القيام بفعل يؤذي الآخرين، فكانت هي أيضا نموذجا للتفكير خارج الصندوق، ومثالا لتوصيل الرسالة بطرق تضمن لها الوصول بسلام ونجاح للآخرين.


وزيرة السعادة الإماراتية، عهود الرومي


صانع الأمل بمليون درهم


قبل أيام أعلن الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن إطلاق الدورة الثانية من مبادرة "صناع الأمل"، وكشف عن وظيفة جديدة لإنسان يسمى "صانع الأمل"، براتب ضخم قدر بمليون ردهم، كل ذلك جاء سيرا على الطريق ذاته، امتدادا لأفكار نجحت مسبقا، خطابا تعبويا جديدا لم تتعوده الشعوب من الحكومات، رسائل حديثة لا تبدأ بجملة أيها الشعب، ولا تنتهي بجملة "ونهيب بكم"... فهل وصلت الرسالة؟.. وهل تعلمنا شيئا من دبلوماسية سفارة محمد صلاح في ليفربول؟.. وهل وصلتنا مفاهيم جديدة لأساليب الترغيب والترهيب؟.. هل لا زلنا مصرين على تقديم أنفسنا للغرب أننا أهل الجنة؟.. هل لا زالت المفاهيم مغلوطة وحائرين في التفكير في سبب كره الغير لنا؟.. هل معيار الكفاءة أصبح رسالة في حد ذاته تقدمها لغيرك؟.. هل حديث الحب وفعله يعكس ثقافة يقبلها العالم أم لا؟.. هل تقديم الدعم المالي للشعوب في حد ذاته كفيلا بالسعادة أم أن هناك طرق أكثر فائدة لتنفيذ الفعل ذاته؟.. هل تشديد العقوبات واستحداث القوانين طرق كفيلة بتحقيق التسامح في المجتمع أم هناك أساليب أخرى تسبق هذه الإجراءات؟


الشيخ نهيان آل مبارك وزير الدولة الإماراتي للتسامح


أسئلة كثيرة، لو أجبنا عليها، لفهمنا لماذا قالوا لصلاح سنصبح مسلمين مثلك، دون أن يأتهم بورقة وقلم وكتاب، يشرح لهم ما فيه ولا يطبقه على نفسه، يخبرهم عن مميزاته ولا يستفيد بها هو... لو أجبنا عليها لقلنا للعظيم سقراط شكرا.. لقد قدمت لتلميذك ولنا نصيحة دستورية.


اقرأ أيضا
وظيفة جديدة بالإمارات بمرتب مليون درهم.. هل تستطيع صناعة الأمل؟

محمد صلاح يشعل جنون العالم بعد 28 جولة في الدوري الانجليزي