أمشير أبو الزعابيب.. "الباب اللي بيجيلك منه الريح"
درج المصريون على ترديد إحدى المحفوظات المدرسية، في استدعاء لصوت مدرس الدراسات الاجتماعية، تُفيد بأن الطقس في مصر "حار جاف صيفا دافىء ممطر شتاء"، ومع كل تقلّب جوي نجد لهذه الأجواء صدى واسعا على السوشيال ميديا، ولن تعدم أن تجد تنويعات لهذه المقولة بتحويرات عدة، فالجو في مصر بحسب آخر لسعات البرد: "حار جاف نهارا صقيع بردا مساء".
هذا التقلب دعا البعض في فترة سابقة إلى مطالبة هيئة الأرصاد الجوية بتغيير هذه الجملة المضللة في المناهج التعليمية عن الجو في مصر، وهو ما تفاعل معه رئيس هيئة الأرصاد الجوية، الدكتور أحمد عبدالعال، قبل أشهر، مؤكدا أن الهيئة تسعى لعمل دراسة جديّة لتغيير الصيغة المتعارف عليها بما يتفق مع تغيرات المناخ مصريًا وعالميًا، على أن تُعدّل في المناهج، وعن الصيغة المتوقعة، قال: "مفيش صيغة واضحة، نشوف الدراسة هتنتهي على أيه، وربنا يسهل".
وقبل أيام مرت على مصر موجة "حارة" أرجعتها هيئة الأرصاد الجوية إلى تعرض مصر لكتلة هواء ساخنة قادمة من المنطقة المدارية، ارتبك معها المصريون وتحيروا هل يستمرون في ارتداء الملابس الشتوية أم "يطلعوا من هدومهم"، لكن سرعان ما انقلب الجو ثانية وعاد البرد إلى عادته الشتوية مصحوبا برياح باردة مثيرة للغبار والأتربة، مما أصاب البعض بحساسية تنفسية.
هذه الحيرة يزيلها ببساطة موروثنا الشعبي القروي، وتحديدا الفلاحون الأصلاء ومن ورائهم أبناؤهم، الذين ما زالوا حريصين على معرفة التقويم القبطي، وهو تقويم شمسي يعتمد في الأساس على التقويم المصري القديم، مرتبط بنجم الشعرى اليماني، وضعه قدماء المصريين لتقسيم السنة إلى 13 شهرا، حيث يعتمد على دورة الشمس، ويعتبر من أوائل التقاويم التي عرفتها البشرية، كما أنه الأدق من حيث ظروف المناخ والزراعة خلال العام، ولهذا يعتمد عليه المزارع المصري في مواسم الزراعة والمحاصيل التي يزرعها من آلاف السنين وحتى الآن.
وإن كان شهر طوبة "يخلي العجوزة كركوبة"، وبرمهات "روح الغيط وهات"، فبينهما شهر أمشير، وهو الشهر السادس في التقويم القبطي، والذي حل فعليا الخميس الماضي 8 فبراير ويستمر حتى 9 مارس المقبل، واشتق اسمه من "ميشير" أو "مخير"، وهو إله الرياح والزوابع لدى القدماء المصريين.
ويحضر شهر أمشير، أو "رياح برد العجوز"، بقوة في الريف المصري ضمن أمثال ذائعة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، فهو "أبو الزعابيب الكتير ياخد العجوزة ويطير"، في إشارة إلى قوة الرياح، وزاد آخرون فقالوا إن "أمشير يفصص الجسم نسير نسير"، و"أمشير يخلي العجوزة جلدة والصبية قردة"، ومنها أيضًا "أمشير أبو الطبل الكبير".
ويشتهر شهر أمشير بتقلباته الجوية الكثيرة، فأنت ربما تعيش معه في اليوم الواحد أو ربما في الساعة الواحدة الفصول الأربعة، ويشتهر أيضا بهبوب الرياح القوية وبرودة الجو، وخلال هذه الفترة تتزايد حدة العواصف والرياح المحملة بالأتربة، ومن هنا جاء المثل "زعابيب أمشير" أي يتغير مزاجه من لحظة لأخرى.
وقد أدرك الفلاح المصري بحسه الفطري وملاحظته الدقيقة للتقلبات الجوية الكثيرة والجذرية أحيانا مراحل أمشير وتقلباته، فقسمه إلى 3 أقسام: "مشير" ويقال لها عشرة الغنّامي (الراعي)، حيث ينخدع الراعي بالدفء، و"مشرشر" أو عشرة الماعز حيث يعود البرد للاشتداد ويكثر هبوب الريح وسقوط المطر وتنفق الماعز من شدة البرد، و"شراشر" ويطلق عليه عشرة العجوزة، حيث تبدأ العجائز في الحركة بعد ظهور الدفء.
هكذا يتعامل الفلاحون مع الطبيعة بإدرك وفهم قائم على الملاحظة والتي توارثوها عبر أجيال وأجيال، يدركون أن بعد "أمشير" سيأتي "برمهات" الذي يتطلعون إليه بترقب وطول انتظار، وقد بدأ معه أول الطلع في أن يصير ثمارا يجلبون بعضها إلى بيوتهم، يجلبون "فول بلدي" يُسعدون به الأطفال، وسنابل القمح التي يحولونها إلى "بليلة" على الطريقة الريفية.