صور |الزعفران... القصر الملكي الذي أبهر الرؤساء وطمع فيه الإحتلال
كتبت- رانيا علي فهمي
تصوير- محمد أوسام
من منّا لم يسمع أو يقف منبهرا أمام روعة قصر الزعفران، الذي سجل في 1958 كأثر إسلامي شهد على تاريخ مصر الحديث والمعاصر، لتمزج روعة جدرانه وأسواره بين دقة البناء المعماري واللمحة التاريخية التي تعود بنا لزمن الملوك والأمراء، فأبوابه الضخمة تشعرك وكأنك تقف على باب الخديوي إسماعيل تنتظر الإذن بالدخول.
ولم لا فهذه المنطقة التي كانت تسمى بـ"الصحوة" سكن فيها ملك مصر محمد علي باشا بعد أن أصدر فرمان ببناء "قصر الصحوة"، ثم تغير اسم المنطقة سنة 1851 نسبة لعباس باش الأول ، حتى أصدر الخديوي إسماعيل فرمانا ببناء " قصر الزعفران" سنة 1864.
حرص باني القاهرة الخديوية أن يكون "قصر الزعفران" نسخة مطابقة للقصر الذي تلقى فيه تعليمه في فرنسا، مع تتويج واجهة القصر بالحروف الأولى من اسمه وحفر تاجه الخاص، والتي تم تكرارها على مداخل القاعات الداخلية، وإحاطته بحديقة رائعة تفوح منها رائحة الزعفران، ليجمع بين الطراز "القوطي و الباروك " المستعملان في قصور القرن التاسع عشر.
أهدى الإبن البار والدته خوشيار هانم "قصر الزعفران" سنة 1872 حتى تكون قريبة منه، بعد أن نصحها الأطباء بالإنتقال للعيش في منطقة هادئة تطل على مساحات خضراء، ليسكن القصر جزءا من أسرة محمد علي باشا.
وجاءت سنة 1882 وهُزم أحمد عرابي، وطلب الخديوي توفيق من جدته خوشيار ترك القصر، ليقيم فيه ضباط الجيش الإنجليزي ، إلا أن المحتل دخل القصر عُنوة ولم يتركه لمدة خمس سنوات استخدموه خلالها أسوء استخدام، حتى ألزمهم الأمير حسين كامل سلطان مصر بدفع غرامة 50 جنيه عن كل شهر، إلا أنه لا توجد وثائق تؤكد التزامهم بدفع المبلغ.
وفي 1908 حولت وزارة المعارف قصر الزعفران المبني على مساحة فدان ، بينما شغلت الحدائق المحيطة به 100فدان بالإضافة إلى الحدائق الشتوية، لمدرسة ثانوية باسم فؤاد الأول، وانشد حافظ ابراهيم قصيدة عند زيارة ملك مصر للمدرسة في 1922
أقصر الزعفران لأنت القصر
خليق أن يتهدى على النجوم
كلا يهديك للأجيال فخر
وزهور للحديث وللقديم
ترى بالامس فيك علا
ومجد وانت اليوم مثوى للعلوم
وفي عام 1952 حلت إدارة الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) محل المدرسة، حيث كان مكتب مدير الجامعة أحمد لطفي باشا السيد في الدور الاول, والدور الثاني مقراً لكلية الآداب, أما كلية العلوم فكانت في الملحقات ومساكن الحاشية بعد ادخال التعديلات ، حتى تم بناء كليات الجامعة المصرية وانتقلت تدريجياً الى المقر الجديد بالجيزة.
شهدت الستائر والثريات الثمينة والمنضدة الموجودة في صالون القاعة الرئيسية لقصر الزعفران بكراسيها المذهبة منذ 120 عام على معاهدة توقيع معاهدة 1963 بحضور زعيم الأمة المصرية مصطفى النحاس، حينما تفاوض مع المندوب السامي البريطاني مايلز لا مبسون لورد كيلرن ، حيث تم توقيع الأحرف الاولى بين "لامبسون والنحاس وقادة الأحزاب" على المعاهدة.
أخلت وزارة الخارجية القصر أوائل عام 1952 ليكون مقراً لجامعة " ابراهيم باشا " لتشغل كلية الحقوق الطابق الأول، بينما شغلت إدارة الجامعة الطابقين الثاني والثالث، ثم انشئت كلية العلوم وتبعها مباني الكليات الأخرى، الحقوق والآداب, وملحق إدارة الجامعة وغيرها من المباني الجامعية، وذلك في المساحة المحيطة بالقصر من كل انحاء.
وصف القصر
ويتكون قصر الزعفران من ثلاثة أدوار، الأول للاستقبال وبه القاعة الرئيسية إلى اليسار وبجوارها قاعتان للاستقبال وهي مخصصة الآن لاجتماعات مجلس الجامعة، وعلى اليمين كانت تقع حجرة المائدة وكانت تسع أربعين شخصاً وهي مخصصة الآن مقراً لاجتماعات نواب رئيس الجامعة.
انظر أمامك نحو البهو الكبير ومتع ناظريك بالزخارف والنقوش التي زينت السلم الوحيد في مصر الذي يوجد به هذه الكمية من النحاس المغطى بطبقة مذهبة.
أما الأسقف فكأنها قطعة من السماء بلونها السمواوي ذات الغيوم البضاء الصافية، فوق سلم البهو تجد مساحة مسقوفة بالزجاج البلوري المعشق بألون زاهية يعكس على السلم ألوان السماء الساطعة، أما الأبواب فصنعت من الخشب بارتفاع يصل إلى 4م والأسقف 6م
الدورين الأول والثاني لقصر الزعفران يطلان من الخلف على حديقة شتوية، وإلى جوارها حائط زجاجي ملون يعكس كل الألوان على الزهور ونباتات الحديقة شتاءا.
الدور الثاني به 8 غرف للنوم تتميز كل منها بقبة ملونة بألوان السماء الصافية، وضعت فوق سرير النوم لأن الخديوي كان يحب النظر للسماء وهو مستلقى على ظهره قبل النوم.
وكل غرفة ملحق بها صالون لاستقبال الزوار في حالة تعذر النزول للدور السفلي، وملحق بها أيضا حمام تركي كبير مصنوع من الرخام ومزود بها كورات صغيرة من الزجاج الملون يجعل الحمام يبدو مضائاً بإضاءة طبيعية، وتستخدم هذه الغرف الآن مكاتب لرئيس الجامعة ونوابه.
بينما خصص الدور الثالث لأفراد الحاشية والخدم، والآن يستخدم لبعض مكاتب الإدارة التابعة لمكاتب رئيس الجامعة ونوابه.