نساء فى محارق الكنيسة .. قصص حرق الساحرات فى العصور الوسطى
الاعتقاد بالسحر كان منتشرا منذ وعى الإنسان، واتخذ العديد من المعاني والأشكال، ولازال الاعتقاد فيه منتشرا في العالم العربي والإسلامي بقوة مختلفة، لدرجة أن السعودية تعتبره جريمة، تعاقب عليه حتى الموت. آثار الاعتقاد فيه لازالت توجد حتى الآن في أوروبا، كما أن قتل السحرة والساحرات وحرقهم يجري في إفريقيا حتى اليوم.
تثير الحكايات المروية عن الساحرات في العصور القديمة فضولاً لاكتشاف حقيقتهن، وإلى أي مدى كانت لهن قدرات خارقة بالفعل، أو أن كل ذلك مجرد ادعاءات وأوهام، تم إلحاقها بهن لأغراض سياسية أو دينية.
نضع أنفسنا في دائرة تاريخية تجاوزها العالم، خرج منها منذ ما يجاوز 400 عام. ففي القرنين 15 و16، أنشات السلطات الدينية المسيحية ممثلة في الكنيسة الكاثوليكية، ما تعرف بـ"محاكم التفتيش" Inquisition، تمثلت في فرق من الكهنة والرهبان المسيحيين (الأتقياء والمتخصصين في الكشف عن السحر)، تمثلت مهامهم في تعقب من يعتقدون أنهم سحرة ومهرطقون ومعاقبتهم. وأحرقت هذه المحاكم مئات الأشخاص أحياءً، أغلبهم من النساء.
سبت الساحرات
معتقد خرافي شاع في أوروبا بالقرون الوسطى، بأن الساحرات يجتمعن في بعض ليالي السبت في أماكن نائية، من أجل ممارسة شعائر وطقوس تكرس لتبجيل الشيطان وخدمته، ويسحقن الصليب تحت أقدامهن، وتستمر هذه الحفلات من منتصف الليل وحتى مطلع الفجر. خلال هذه الطقوس تقوم الشياطين بتعليم الفتيات التعاويذ السحرية.
جميع المعتقدات والأساطير التي تدور حول سبت الساحرات، مأخوذة في الحقيقة من كتب مؤرخي العصور الوسطى، واعتمد هؤلاء في مصادرهم على اعترافات النساء اللواتي كن يعذبن ببشاعة، ليعترفن بأنهن ساحرات. وبحسب المؤرخين، كانت النسوة يتعرضن للضرب ويُمنعن من النوم، ويُجلدن ويُوضع اللجام على أفواههن لمنعهن من الكلام، وتعرى أجسادهن للبحث عن "علامة الشيطان"، وتُكوى جلودهن بقضبان حديدية حارة، ويُجبرن على الجلوس على "كرسي الساحرات"، المغطى بمئات الإبر والمسامير الحديدية الحادة، وأحيانا كن يجبرن على الجلوس على أوتاد حديدية، بحجة منعهن من ممارسة الجنس مع الشيطان.
التعذيب
في وقت لاحق، تُساق النساء لتؤخذ منها الأقوال والاعترافات. ولإدانتها، كان يكفي أن تكسر ساقها أو تقلع أظافرها أو تُغَطَّس في الماء.. إلخ، كي تعترف على نفسها وتقر بجريمتها، والفضل يعود لتلك الأجهزة التقنية، التي جادت بها العقول البشرية، وعرضها متحف مدينة مورا" في كانتون فريبورغ بسويسرا عام 2009، والتي لمجرد رؤيتها يصاب المرء بالإحباط، ويكون على الاستعداد للإقرار على نفسه، بأنه ارتكب أي جريمة.
سِحر مُتوَهَّم تصنعه مخيلة أصحاب السلطان، تلك هي الحقيقة التعذيب، الذي كان ينشئ السحرة والدجالين والمشعوذين، إنها محاكم التفتيش التي نصبتها الكنيسة لمن تسميهم "المهرطقون" أو "الزنادقة". واستغلتها من أجل توسيع سلطانها على الأراضي، وتثبيت ولايتها.
في القرن الـ15، تمت محاكمة أغلبية من الرجال، ممن لم ينصاعوا لسلطان الكاتدرائية أو للسلطة الحاكمة، ووجهت لهم تهمة التمرد السياسي، ثم ابتداء من القرن الـ17، بدأت السلطات في استغلال مسألة السحرة والمشعوذين، لإحكام السيطرة على الأوضاع السياسية والاجتماعية، ومن هنا، بدأت مطاردة السحر والشعوذة على نطاق واسع.
كان قادة تلك المحاكم ـ آنذاك ـ من ممثلى الكنائس الكاثوليكية، ووقعت حوالي 25 ألفا من حالات الشنق والإعدام بالحرق للمتهمين بالشعوذة في الامبراطورية الرومانية المقدسة. وقُدرت الأحكام الظالمة التي صدرت عن الكنائس ضد البشر خلال العصور الوسطى في أوربا، بحوالى 9 ملايين شخص، وكان للنساء النصيب الأكبر من ضحايا الحملة، حيث بلغت نسبتهن 80%.
وقائع مروعة
لا نستطيع أن ننقل كل وقائع حرق الساحرات، لكن تلك الأعمال استمرت لعدة قرون، راح ضحيتها مئات الآلآف من الأبرياء، أغلبهم من النساء، وهناك الكثير من القصص المروعة، التي ذكرها المؤرخون عن تلك الفترة المظلمة.
مشعوذات جزيرة Guernsey island
في 4 يوليو عام 1617، شهدت جزيرة "غيرنسي"، إحدى أكبر جزر القنال الإنجليزي، محاكمة ثلاث نساء اتهمن بممارسة السحر والشعوذة المحظورة. تلك الممارسة المحرمة وفقا للمعتقدات المسيحية المبنية بشكل رئيسي على مقولة وردت في الكتاب المقدس بعهده القديم، وهي: "لا تدع ساحرة تعيش"- سفر الخروج – الإصحاح الثاني 22-18.
وفي عام 2005، نشر المؤلف جون بيتس كتابا بعنوان "السحر والمعتقدات الشيطانية في جزر القنال"، يسرد حرفياً ما جاء في الوثائق الرسمية للمحكمة الملكية في جزيرة غيرسني من نصوص اعترافات، حيث كان جيمس الأول ملكاً على بريطانيا.
تضمن الكتاب مقدمة تاريخية عن الشعوذة وممارستها قديما في دول أوروبا، لاسيما القرنين السادس عشر والسابع عشر. في تلك الأزمنة، كان ينفذ في السحرة حكم الإعدام، حيث كان الكثير منهم ينال مصيره حرقا على أعواد الخشب ،وهو على قيد الحياة Burn Alive on Stakes.
فيلم وثائقي يتحدث عن تاريخ الساحرات في إنجلترا عام 1645
محاكمة Salem
محاكمات السحر في "سالم Salem Trials"، حدثت في قرية "سالم" بأمريكا عام 1692 لسيدات تم اتهامهن بالسحر، وانتهت المحاكمة بإعدام 19 سيدة، وموت اثنتين في السجن وواحدة أثناء التعذيب. ورغم أن التحقيقات تدعى "سالم" نسبة للمكان الذي حدثت فيه، إلا أنها أيضا حدثت في مناطق أخرى مثل Andover في ماساشوستيس، وIpswich ومدينة سالم Salem Town.
بدأ الموضوع في بيت قسيس اسمه "صمويل باريس Samuel Parris"، رئيس كنيسة القرية. وفي بيت القسيس، كانت تعمل خادمة سوداء من "باربيدوس" في منطقة الكاريبي، اسمها "تيتوبا Tituba"، كانت تحكي حكايات وقصص عن الساحرات وخرافات أخرى سمعتها في باربيدوس. ما سبّب المشكلة، إعجاب البنات في القرية بتلك القصص، حيث كن يتجمعن عندها لسماعها، لكن بعد عدة أسابيع بدأت عدة بنات بالشعور أن هناك قوى خارجية تسطير عليهم، ومع نهاية فصل الشتاء، بدأت عوارض غريبة بالظهور عليهن، عبارة عن اهتزازات وارتجاجات مثل الصرع والصراخ فجأة، إضافة للقيام بأفعال غريبة.
بعد انتشار الخبر أن جميع تلك الفتيات تجمعهم "تيتوبا"، تمت محاكمتها بالسحر، وإحراقها، ومن وقتها تم إعدام أي امرأة يتم الشك بها واتهامها بالسحر والشعوذة.
Lord of salem
أحد أهم الأفلام التي وثقت مع حدث لساحرات salem
يبدو أن كل الحضارات مارست جريمة الحرق، التي يمكن القول عنها إنها عابرة للعصور والحضارات، والمشترك أن هذه الجرائم والإعدامات الظالمة، تمت تحت غطاء ديني، واعتبرت انتصارا للدين وحماية له، في حين أن هدفها الحقيقي الحفاظ على المصالح.