التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 02:09 ص , بتوقيت القاهرة

اليوجينيا.. فكرة قتلت عشرات الملايين دون رحمة (فيديو)

كتب- محمد عصمت:

الأفكار مثل سائر الطعام، بعضها جيد والآخر فاسد، ربما تنير عالما بأسره أو تثير لدى الإنسان شهوة الشر ونشر الفزع، "دوت مصر" يخبرك عن واحدة من أكثر الافكار شرا بعالمنا.. إنها "اليوجينا" صاحبة شعار "البشر ليسوا سواسية".

صاغ هذا المصطلح السير فرانسيس جالتون عام 1883 برؤية أن التطور الصحيح للجنس البشري قد انحرف عن مساره الطبيعي، بسبب نزعة الخير لدى الأثرياء وإنسانيتهم إلى تشجيع غير الصالحين على الإنجاب، الأمر الذي أفسد آلية "الانتخاب الطبيعي"، ومن ثم أصبح جنس البشر في حاجة إلى نوع من الانتخاب الصناعي، ولـ"جالتون" مقولة عنصرية لخصت أفكاره "كلاب أفريقيا تكف عن النباح إذا ما تنفست هواءنا".

أطلق على تلك الأفكار اسم "اليوجينيا" التي عرفت عقب ذلك بعلم تحسين الإنسان عن طريق منح السلالات الأكثر صلاحية فرصة أفضل للتكاثر السريع مقارنة بالسلالات الأقل صلاحية، ليصبح الإنجاب حكرا علي فئة معينة من البشر، بوصفها أفضل من غيرها واشير "اليوجينيا" هنا إلى قدرة الإنسان على التحكم في تطوره البيولوجي ليمكن الفئات الأكثر نفعا.

كيف اكتسبت الفكرة شعبية؟

على عكس داروين الذي يقول إن "الأصلح" هو الذي يترك نسلا أكثر، سنجد أن اليوجينيين يرون أن الأصلح هو المتميز في الذكاء والصحة والأخلاق الحميدة، وهو- بالطبع- من يشبه اليوجيني الذي يضع معايير الصلاحية، ثمة كاتب فرنسي أرستقراطي اسمه آرثر كونت ده جوبينو، نشر في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر كتابا عنوانه "مقال عن التفاوت بين سلالات البشر"، قال فيه إن الارستقراط الآريين الشقر كانوا دائما "زهرة أوروبا"، ولكنهم فقدوا قوتهم بالزواج من السلالات الأدنى. أهمل الفرنسيون الكتاب، لكن الألمان أحبوه.

في عام 1899، نشر إنجليزي يحمل الجنسية الألمانية اسمه هوستن سيتورات شامبرلين، كتابا عنوانه قواعد القرن التاسع عشر استلهم فيه أفكار جوبينو مجددا، مضيفا أن الألمان هم أنقى الآريين ومهاجما السود واليهود. وعندما كتب هتلر كتابه "كفاحي" يشيد فيه بالألمان ويزكي اليوجينيا، كان في واقع الأمر يكرر ما قاله شامبرلين إنما بصورة فصيحة مؤثرة. فالأقوى كما يقول هتلر لا بد أن يسود على الأضعف، لا يمتزج معه حتى لا يضحي بعظمته ولن يجد في هذا قسوة إلا الضعاف.

تطبيقات أولية لليوجينيا

انتشار أفكار اليوجينيا لدي قطاع كبير من أثرياء أوروبا وأمريكا، دفع إلى تمرير قانون التعقيم في الولايات المتحدة والإعلان عن دستوريته سنة 1927 خلال المحاكمة المشهورة "باك ضد بيل"، حيث صاح القاضي مستهزءا "ثلاثة أجيال من البلهاء تكفي".

الشروع في تعقيم كثير من غير المرغوب فيهم تم بشكل فعلي في كاليفورنيا عام 1933، وذلك بالتزامن مع موجة من العنصرية والإقصاء الموجه ضد الأقليات في الولايات المتحدة، كما تم تخصيص فرقة من حماة الأمن بتأطير من معهد "فيشر" لتعقيم غير المرغوب فيهم في ألمانيا.

توطد العلم اليوجيني سريعا في إنجلترا، حيث ظهر معمل جالتون لليوجينيا القومية، وأمريكا حيث مكتب السجل اليوجيني، وألمانيا حيث معهد القيصر فيلهلم لليوجينيا ووراثة الإنسان.

هتلر وبريق اليوجينيا

تبني هتلر فكرة أن الحرب ضرورية للتخلص من البشر المتخلفين، كما يقول اليوجيني الكبير كارل بيرسون إن اعتماد التقدم على البقاء للسلالة الأفضل، رغم ما قد يبدو به من شر فظيع، إنما يعطي الصراع من أجل البقاء ملامحه المبتغاة.

هتلر أعلن عن ذلك بقوله خلال مذكراته "إذا توقفت الحروب، فلن يتقدم جنس البشر لن يكون هناك ما يكبح جماح خصب السلالات المتخلفة"، وعلى أثر ذلك أصدر الزعيم النازي أوامره بإجراء عمليات جراحية لإخصاء نحو 400 ألف شخص من اليهود وضعاف العقول والمرضى المزمنين الذي اعتبرهم هتلر "أحقر شأنا من أن يمرروا جيناتهم إلى الجيل التالي"، وهي العملية التي وصمت "اليوجينيا" بالعار إلى الأبد.

ذاعت حركة اليوجينا في أوائل القرن العشرين في أوروبا وأمريكا عندما كان علم الوراثة لا يزال طفلا يحبوا، وانضم إليها وتعاطف معها الكثيرون من كبار المفكرين والعلماء والساسة والفلاسفة ورجال المال أبرزهم "برتدراند راسل" و"برنارد شو" و"هـ. ج. ويلز" و"ألدوس هيكسلي" و"تشرشل" و"روزفلت" وغيرهم، ومن العباءة اليوجينية خرجت كل الحركات العنصرية الحديثة والتي تدعو إلى تمييز جنس بعينه عن باقي الأجناس.

ومن أنصار اليوجينيا الفيلسوف نيتشه الذي يقول في كتابه "الإنسان السوبرمان" إنه "كما أن الإنسان أعلى من القردة التي ينتسب إليها، كذلك يجب أن يتطور البشر إلى السوبرمان الذي يعلو على الإنسان".

تشرشل تخلص من ضعاف العقول

في عام 1992، نشرت- لأول مرة- الأوراق الشخصية للزعيم البريطاني ونستون تشرشل، وهو أحد أكثر الزعماء الأوربيين احتراما وشعبية في القرن العشرين، وأصيب الرأي العام العالمي بالصدمة عندما قرأ في مفكرة تشرشل الشخصية هذه العبارة، التي كتبها عام 1910 عندما كان وزيرا لداخلية بريطانيا العظمى. 

قال تشرشل بمذكراته إن "النمو الشاذ المتزايد السرعة لطبقات ضعاف العقول والمتخلفين، والذي يصاحبه كما نعرف تقييد مطرد في نمو كل السلالات القوية الرفيعة، يشكل خطرا قوميا وعرقيا داهما على أوروبا، وإنني أعتقد أنه من الضروري أن يوقف ذلك الرافد الذي يغذي نهر الجنون، قبل مرور عام وإلا أصيبت أوروبا كلها بالجنون".

الصين منعت نسل المعاقين

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، والسقوط المروع للنازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا، ثم كشف النقاب عن بعض الفظائع التي ارتكبت باسم "اليوجينيا" فتم تغيير اسم المعهد الذي أنشأه "جالتون" في لندن من "معهد اليوجينيا" إلى "معهد جالتون" واعتبرت أوروبا كلها هذا العلم علما عنصريا بمعنى الكلمة.

ومرت عقود من الزمن قبل أن تعود "اليوجينيا" للظهور مجددا، ولكن خارج حدود القارة الأوروبية هذه المرة، وبالتحديد في الصين؛ حيث ظهر تشريع رسمي في عام 1988 بحظر زواج المعاقين ذهنيا إلا في حالة "تعقيمهم" حتى لا يتناسلوا، واستمر العمل بهذا القانون لعدة أعوام حتى تم إلغاؤه بعد ضغوط مارستها منظمات حقوقية دولية على حكومة الصين الشيوعية.

"صدام الحضارات"

بداية عام 2000، عادت "اليوجينيا" مجددا في أوروبا وأمريكا، وذلك على أثر صعود نظرية "صدام الحضارات" التي أطلقها عالم الاجتماع الأمريكي"صامويل هنتجتون".

وما تلا تلك النظرية، من نظريات متطرفة تؤكد حتمية الصدام بين الشرق والغرب، بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وهو الأمر الذي دعا بعض المفكرين الغربيين المتطرفين إلى القول بأن "اليوجينيا" هي الحل لضمان بقاء الجنس الأبيض.

 

ريتشارد لين.. الحرب العرقية قادمة

عام 2001 شهد إعلان عالم النفس ريتشارد لين عن عودة اليوجينيا باسمها الصريح، حينما أصدر كتابا له يحمل عنوان "اليوجينيا: إعادة تقييم"، وقال فيه "إننا على أبواب عصر جديد، إننا نتحرك بسرعة تفوق الخيال إلى نوع بشري جديد، وستسبقه حرب عرقية.

وقد رد على المفكرين اليساريين بقوله: إنهم أمسكوا بزمام الإعلام الأيديولوجي وأقنعوا الغرب بأن لا شيء يسمى "العرق" أو السلالة، وأن اليوجينيا علم كاذب. لقد حيّدوا الغربيين بأن قالوا إن البشر من طبيعة واحدة. وحان الوقت لنتحرر من هذه الأفكار والقيود، التي كبلونا بها حتى لم يعد في استطاعتنا أن نعترض على فكرة وجود فروق عرقية بين البشر.