زكريا محيي الدين.. قاهر الإخوان "باعترافاتهم"


كتبت- رحاب عبدالنعيم:
اعتزل الحياة السياسية، قبل 46 عامًا، بعد أن شغل لساعات منصب رئيس الجمهورية، عقب تنحي صديقه جمال عبدالناصر عن الحكم يوم 9 يونيو 1967، وقبل أن تنزل الجماهير إلى الشوارع رافضة للتنحى، كان زكريا محي الدين قد سجل بيانًا بصوته يعتذر فيه عن المنصب، ويقول ابنه الوحيد إن إذاعة البيان تأخرت حتى اليوم التالي، فكان رد فعل الشارع أسرع.
وفي 15 مايو 2012، اعتزل الحياة كلها، ورحل صاحب الصمت الأطول في تاريخ السياسة، مخلفا وراءه صورًا مختلفة، بين من يراه سياسيا وعسكريا صاحب قبضة صارمة وسببًا في عناء اقتصادي للشعب، ومن يراه الرجل الوطني مهندس ثورة يوليو الذي ضبط الأمن في الشارع.
وفي ذكرى ميلاده، يعرض "دوت مصر" لأهم المحطات في حياته.
ثلاثة أشهر قبل ثورة يوليو، انضم خلالها محي الدين لتنظيم الضباط الأحرار، بعد أن تعرف عام 1939 على عبد الناصر أثناء أداء خدمته في إحدى قرى محافظة أسيوط، وبعدها بعام تعرف على عبد الحكيم عامر في السودان، وكان ضمن خلية عبدالناصر في مجلس قيادة الثورة، حيث شارك في وضع خطة التحرك للقوات، وقاد عملية محاصرة القصور الملكية في الإسكندرية، أثناء تواجد الملك فاروق الأول هناك.
انتصرت الثورة، وكان لمحيي الدين نصيبا كبيرا في المناصب السياسية بدولة يوليو، حيث تولى منصب مدير المخابرات الحربية لمدة عام بعد الثورة، وفي 1953 عين وزيرًا للداخلية، وأسند إليه عبد الناصر إنشاء جهاز المخابرات، لكنه ترك الوزارة عام 58، ثم اختاره ناصر نائبًا لرئيس الجمهورية للمؤسسات ووزيرًا للداخلية للمرة الثانية عام 1961، وفي عام 1965 صدر قرار بتعيينه رئيسا للوزراء ونائبا لرئيس الجمهورية.
القرارات التي كونت لدى الرأي العام صورة الرجل الصارم لمحيي الدين، أخذها عندما كان رئيسا للوزراء لمدة 11 شهرًا، وكان أكثرها تأثيرا قراره برفع جزء من الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية، فارتفعت أسعار المواد التموينية وثارت الجماهير ضده وهتفت، وأطلقوا عليه "زكريا غلاء الدين"، لكن رئيس الوزراء عقد مؤتمرًا لشرح الظروف التي أدت لذلك، متعهدًا بألا يستمر الوضع طويلا.
وفي مدة الـ11 شهرًا، استطاع محيي الدين أن يضع لمصر أول خطة خمسية للتنمية، وأن يعقد مؤتمر الإنتاج الأول، الذي دعا له كل رؤساء شركات القطاع العام إلي مجلس الأمة لوضع أسس تطوير الإنتاج، كما عقد أول مؤتمر للإصلاح الحكومي، وكان يهدف إلي إصلاح الأداء الحكومي والابتعاد عن البيروقراطية.
ورغم أن دوره في الحياة السياسية لم يكن "كومبارس"، إلا أن تجسيده في السينما والدراما كان كذلك، فلم يظهر سوى مرتين، واحدة في فيلم ناصر 56 وقام بدوره الممثل عبدالواحد الشعري، والثانية في المسلسل الذي يعرض حاليا في شهر رمضان "صديق العمر"، ويقوم بدوره أمجد عابد، كما توقف مشروع فني كان لمحيي الدين فيه مساحة تاريخية أكبر، وهو فيلم ناصر 67، وكان سيؤدي الدور عمرو عبدالجليل.
توفى محيي الدين قبل 15 يومًا من وصول ممثل جماعة الإخوان محمد مرسي للحكم، فلم ير الجماعة التي اعترفت بأنه قضى عليها وهي تعتلي كرسي الرئاسة، فالإخوان صفت محيي الدين على موقعها الرسمي، بأنه كان له دور في القضاء عليها أعقاب ثورة يوليو، ونقلت الجماعة على موقعها شهادة لإسماعيل الضبع، أقدم برلماني مصري، والذي كان وثيق الصلة بمحيي الدين، أنه أدلى باعترافات خطيرة تؤكد ضلوع زكريا في المشاركة في خطة القضاء، منها أنه هو الذي أنشأ جهاز المباحث العامة، الذي عرف فيما بعد بمباحث أمن الدولة، بغرض القضاء على الإخوان.
وأضاف أنه لفق لقادة الجماعة قضايا لإيداعهم السجون والمعتقلات بأوامر من صديقه عبدالناصر، الذي كان يعادي الإخوان، كما ذكر الضبع، بحسب الموقع، أنه عندما كان يعمل بجهاز المباحث، أخذ أمرا مباشرا من محيي الدين طلب منه القبض على أحد أفراد الجماعة، وأنه عندما وصل لبيته بمنطقة نائية بعد إمبابة، أشفق عليه ووجد أن التهمة ملفقة له، فساعده في الهرب ولم يقبض عليه.
ولد محيي الدين في 5 يوليو 1918 بمركز كفر شكر في القليوبية، وتلقى تعليمه في إحدى كتاتيب قريته، ثم انتقل بعدها لمدرسة العباسية الابتدائية، ليكمل تعليمه الثانوي في مدرسة فؤاد الأول، ثم التحق بالمدرسة الحربية في 6 أكتوبر عام 1936؛ ليتخرج منها برتبة ملازم ثان في 6 فبراير 1938، وتم تعيينه في كتيبة بنادق المشاة بالإسكندرية، وانتقل إلى منقباد عام 1939، وتخرج في كلية أركان الحرب عام 1948.