التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 03:47 ص , بتوقيت القاهرة

الأيدى المرتعشة والخوف من المساءلة سبب انهيار قطاع الأعمال

لا شك أن قطاع الأعمال العام لعب دورا كبيرا فى دعم الاقتصاد المصرى، فى فترات سابقة، فى الخمسينات والستينات، منذ أن بدأ فى إنشاء شركاته الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لكن القطاع شهد انتكاسة شديدة بدأت منذ انفتاح الرئيس أنو السادات وتشجيعه الاستيراد والقطاع الخاص، سعيا إلى جعل السوق المصرى سوقا حر، ثم تدهور حال هذا القطاع أكثر في عهد الرئيس مبارك وعمليات الخصخصة التى حدثت فى عهده.


ومع أن قطاع الأعمال العام يجب أن يظل حصنا حصينا للبسطاء، لأن به شركات تعمل في كل المجالات وتنتج كل شىء، ولكن على مدار السنوات، تدهور حال هذه الشركات، وأصبحت مثقلة بالعمالة الزائدة والخسائر المتتالية، نتيجة التعامل مع هذا القطاع باستهتار على أساس أنه أموال الحكومة، وتهالكت ماكينات المصانع به، وأصبحت منتجاته رديئة ولا يقبل عليها الجمهور.


ورغم محاولات إصلاح هذا القطاع بشكل مستمر عبر سنوات طويلة، إلا أن كل هذه المحاولات فشلت فشلا ذريعا، بسبب أن أغلب المسئولين الذين تولوا هذا القطاع أياديهم مرتعشة ولا يستطيعون اتخاذ قرارات تحدد مصير الشركات التابعة لهذا القطاع، خوفا من الغضب الشعبى، خصوصا ما يتعلق بالعمال.


كما أن حجم الفساد فى هذا القطاع في الفترات السابقة، جعل أي مسئول يتولى إدارته لا يقترب من أى إجراء يمكن أن يجلب له مستقبلا مساءلة قانونية ولذلك ضاع القطاع.


ومؤخرا بدأ وزير قطاع الأعمال الجديد خطة أعلن عنها لتطوير شركات القطاع وإعادتها للعمل، وقام بوقف المناقصات المعلن عنها سابقا لتطوير شركة الحديد والصلب المصرية لحين إعادة الدراسات الخاصة بتطويرها ومعرفة الجدوى الاقتصادية لهذه العملية أولا، في الشركة وشركات أخرى.


وسنأخذ شركة الحديد والصلب كنموذج لشركات القطاع وكيف يمكن تطويرها في ضوء المعطيات المحيطة بها مكانيا وزمانيا، من خلال تقرير للمركز المصري للدراسات الاقتصادية عن الشركة وتطويرها.


التقرير أشاد في البداية بتبني وزارة قطاع الأعمال العام الاتجاه نحو إجراء دراسة دقيقة للوضع القائم لشركة الحديد والصلب قبل اتخاذ أى قرار بشأنها لتفادى إهدار موارد الدولة حال توجيهها إلى إجراءات لن تكفل إعادة سمة الربحية للشركة، مع ضرورة التأكيد على عدم استغراق الكثير من الوقت لإعداد مثل هذه الدراسات وما ينتج عن ذلك من التأخر فى اتخاذ القرار كحال الدراسة المعدة بشأن تطوير الشركة القابضة للغزل والنسيج.


ونقطة أخرى يجدر لفت الانتباه إليها عند مناقشة إصلاح شركة الحديد والصلب، وهى ألا يكون ذلك بمعزل عن دراسة الظروف المحيطة حاليا بالصناعة فى حد ذاتها، فهما يؤثران ويتأثران ببعضهما البعض، وبالتالى فإن التركيز على حل مشكلة أحد الجانبين دون الآخر سيؤدى إلى عدم التمكن من الوصول إلى الهدف النهائى المرجو وهو استعادة صناعة الحديد والصلب المصرية لمكانتها المتميزة التى كانت تشتهر بها سابقا.


وبالتالى، هناك حاجة ماسة إلى رؤية متكاملة لهذه الصناعة تشتمل على إعادة هيكلة الإطار المؤسسى ممثلا فى شركات قطاع الأعمال العام ذات الصلة من ناحية، والقضاء على ما يواجه الصناعة من تحديات ومعوقات تحد من تنافسيتها محليا وعالميا من ناحية أخرى.


وتتمثل أهم المتغيرات الحالية التى ينبغى أخذها فى الاعتبار فى التطور التكنولوجى والتغير فى مهارات وأعداد العمالة، مما يستلزم اتخاذ إجراءات إصلاحية تتناسب مع هذه المتغيرات، فعلى سبيل المثال، من أهم أسباب إعادة هيكلة شركة الحديد والصلب استمرار اعتمادها على تكنولوجيا قديمة تستخدم الأفران العالية مما يجعلها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، فى حين أن تبني تكنولوجيا أكثر حداثة سيقلل من كميات الطاقة المستخدمة مما سينعكس إيجابا على تكاليف الإنتاج وعلى التقليل من تلوث البيئة.


وهذا فضلا عن افتقار الشركة إلى خلق قيمة مضافة بجميع المراحل الإنتاجية للصناعة مما يحد من تنافسيتها، مثال آخر هو عدم إيلاء الاهتمام الكافي إلى تطوير وإحكام إجراءات السلامة والصحة المهنية لجذب العمالة إلى هذه الصناعة التي يرجع جزء من هجرهم لها وخاصة في الشركات الحكومية إلى تسببها في العديد من المشكلات الصحية مع عدم صرف تعويضات مناسبة نظير ذلك.


كما أن شركات الحديد والصلب جزء من منظومة قطاع الأعمال العام التي يتبعها العديد من الشركات في القطاعات الإنتاجية المختلفة، مما يتطلب إعداد استراتيجية متكاملة لإصلاح قطاع الأعمال العام ككل، على أن تبدأ بتقييم دقيق لكل شركة أو مصنع تابع على حدة للوقوف على أهم مشكلاتها ومدى القدرة على علاج هذه المشكلات من خلال توجيه الاستثمارات إلى بعض هذه الكيانات، أو اتخاذ الاختيار الآخر وهو التأكد من عدم جدواها وبالتالى إغلاقها وتوجيه العائد الناتج عن ذلك إلى تطوير الشركات الأخرى ذات الجدوى التابعة لقطاع الأعمال العام ككل، هذا بالإضافة إلى إنشاء صندوق خاص بالعمالة تخصص موارده إلى ثلاث أغراض أساسية، هى صرف تعويضات للعاملين المحالين إلى المعاش غير القادرين على الاستمرار فى العمل، وتقديم تدريب تحويلى للعمالة التى تم تسريحها نتيجة إعادة هيكلة الشركات، وتوفير فرص عمل جديدة من خلال أنشطة صغيرة أسوة بتجربة الصندوق الاجتماعى للتنمية عند نشأته فى التسعينات، حيث كان من بين اختصاصاته تنفيذ برامج تساعد على انتقال العمالة من شركات القطاع العام بعد إصلاحها إلى أنشطة أخرى.


يذكر أن صناعة الحديد والصلب ترتبط بالعديد من المشروعات القومية الكبرى المصرية حاليا مما يزيد من الطلب عليها ويتيح لها العديد من الفرص الواعدة لازدهارها، إلا أن هذه الصناعة وخاصة تلك القائم عليها القطاع الحكومى تعانى من الكثير من المشكلات منذ سنوات عديدة، كارتفاع قيمة الخامات المستخدمة، وكذلك تكاليف النقل وتكاليف التمويل المصرفى، وارتفاع التعريفات الجمركية لمستلزمات الإنتاج المستوردة، ونقص العمالة المدربة التى اتجهت للعمل خارج مصر أو فى قطاعات إنتاجية أخرى نتيجة تعثر الصناعة، وارتفاع أسعار مصادر الطاقة المختلفة وهى أكبر مكون إنتاج لهذه الصناعة، مما تسبب فى ارتفاع أسعار المُنتج المحلى أمام المنتجات الأجنبية المنافسة ومن أهمها الصين وتركيا.