هانيا وفريدة وحق الإجهاض
في كوكب الولايات المتحدة الأمريكية الشقيق تدور معركة حقوقية "لطيفة" – ذكرتها في مقال سابق حول الحق في الاختيار والحق في الحياة. يدافع فريق الحق في الاختيار عن حق المرأة في الإجهاض فيما يدافع الفريق الآخر عن حق الجنين في الحياة.
تبدو تلك المعركة الحقوقية ضربًا من خيال في هذا الجزء من العالم، ففي هذا الجزء من العالم الإجهاض حرام! يُسمح به في أضيق الحدود إما درءًا لفضيحة أو لسبب مرضي قهري.
طرح مسلسل تحت السيطرة فكرة الإجهاض في إحدى حلقاته، ورغم أن المسلسل واجه الكثير من الانتقادات، إلا أن مشهد الإجهاض مر بلا ضجة، ربما لأن المؤلفة حرصت أن تخبرنا أن صاحبة الحمل كانت في شهرها الثالث وقت إجهاضها (مما يعني أن الروح لم تنفخ بعد في الجنين مما يجعل الإجهاض مكروهًا فقط) أو ربما لأن المشاهدين تعاطفوا مع صاحبة القرار أو ربما كانوا مشغولين بأحداث أكثر إثارة.
سلمى صاحبة قرار الإجهاض متزوجة من مدمن وكانت ترفض الحمل خوفًا من تأثير إدمان الأب على الطفل. ولكنها عدلت عن موقفها حينما وعدها الأب بأنه لن يعود لتعاطي المخدرات أبدًا. أرادت سلمى الطفل بشدة وشجعها الوعد على الاستجابة لساعتها البيولوجية التي لا تتوقف عن "التكتكة". ولكن الزوج عاد للإدمان. وبعودة الزوج للإدمان قررت سلمى إنها لن تستطيع الاستمرار في العلاقة وقررت ألا تحتفظ بالجنين. اتخذت سلمى قرار الإجهاض دون استشارة أو استئذان الأب. مارست سلمى حقها في الاختيار.
وعلى عكس سلمى التي أجهضت الجنين الذي طالما أرادته بشدة نجد مريم وشيرين. مريم لم تكن تريد الإنجاب ووقت علمها بالحمل كانت تتعاطى المخدرات. ولكن مريم رغم ذلك قررت الاحتفاظ بالجنين (الذي لم تسع إليه من الأصل والذي يواجه مخاطرصحية بسبب تعاطيها للمخدرات)، لأنها أرادت لهذا الجنين أن يكون سببًا لعودة علاقتها بطليقها، كما أرادته كحافز للتوقف عن تعاطي المخدرات.
أما شيرين – أم هانيا – لا نعرف الكثير عن خلفيات حملها بهانيا ولكننا يمكننا توقعها مما آلت إليه هانيا. هانيا لم تكن أكثر من "غلطة" لولاها لما استمرت زيجة أبويها أبدًا. هانيا مجرد طفل نتاج بديهية الزواج والحمل دون تفكير في التبعات مثلها في ذلك مثل كثيرين.
ينتهي المسلسل برسالة أمل لفريدة (جنين مريم) وهانيا (جنين شيرين)، مما يجعلنا نفكر أنه ربما كان من الأفضل لسلمى المقامرة بمستقبل جنينها أملًا في أمل مماثل.
لكن هل المقامرة بمستقبل الآخرين مقبولة؟ هل استخدام طفل كطريقة لإبتزاز الزوج (أو الزوجة) عاطفيًا من أجل الاستمرار في العلاقة مقبولًا؟ وماذا لو لم يرضخ الزوج للابتزاز؟ وماذا لو تحول الطفل لسلاح للابتزاز المتبادل؟
أي الأفعال أكثر أنانية، أن ننجب الأطفال لإشباع حاجاتنا دون النظر لحاجاتهم أم أن نحاول أن نصحح "الغلط" قبل أن يتفاقم؟
أيهن أكثر أنانية، سلمى التي اتخذت قرار الإجهاض أم مريم وشيرين اللائي احتفظن بأجنة لم تزد حياتهن ولا حياة أطفالهن إلا تعقيدًا؟ أيهن أكثر أنانية؟ تلك التي تشبع غريزة أمومتها دون النظر لمستقبل حياة الطفل أم من تستغنى عن هذه الغريزة حتى لا تعذب روحًا لم تكن لتعذب لولا أنانيتها.
أيهن أكثر أنانية؟ التي تنجب الطفل بعد الطفل إعمالًا بنصيحة "أربطيه بالعيال"، أم التي تقطع كل ما يربطها برجل لا يريدها في حياته؟ أيهن أكثر حكمة؟ من تقامر بحياتها أم من تقامر بحياة الآخرين؟ أيهن أكثر إجرامًا من احتفظت بجنين مهدد بإدمانها عكس رغبة أبيه أم من أجهضت جنينًا لن تسطيع توفير حياة سليمة له؟
أيهما يقدم على الآخر، حق الجنين في اختيار حياته أم حق الأم (والأب) في اختيار حياة الجنين؟!