التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 04:55 م , بتوقيت القاهرة

ملحدون في الجنة !!

العنوان المثير لهذا المقال ليس من عندي ولا من بنات أفكاري، ولكنه عنوان كتاب للباحث المجتهد الأستاذ سامح عيد، الذي كان عضواً في تنظيم الإخوان المسلمين لأكثر من 12 عاماً، فمنذ نعومة أظفاره التحق الأستاذ سامح عيد بجماعة الإخوان، وخاض معهم كثيراً من أيام الضراء، وأدى فى صرامة شديدة كل ما طُلب منه أيامها، كعضو مخلص عليه أن «يسمع ويطيع»، لكن مع تقدم العمر وتعزز الوعي بدأ يمتلك عقلاً نقدياً، مكنه من أن يرى حقائق غفل عنها فى غمرة الحماس، وبراءة الطفولة والصبا، بعضها كتمه فى نفسه، وبعضها باح به للمحيطين به، وأخرى تحايل وأخرجها فى كتاب «الإخوان المسلمون الحاضر والمستقبل: أوراق فى النقد الذاتى»، الذى مال فيه إلى التنظير والتلميح والمداراة، وحاول به أن يُسمع من بهم صمم، لكن صوته ضاع فى خلاء الجماعة المغرورة، إلا أن سامح يعود ويقول كل شىء فى وضوح وبلا مواربة فى ثنايا كتابه الهام «تجربتى فى سراديب الإخوان».


أما كتابه «ملحدون في الجنة»، فهو عبارة عن مجموعة مقالات منها: وهم الخلافة، التحريض على إبراهيم عيسى، الأزهر بين الراديكالية والتنوير، نظرة الإخوان للدستور، تفكيك التنظيم حلم ولا علم، مأزق الحبيب الجفري وأسامة الأزهري، الاستبداد والعلم، لقد انتهيت، وغيرها من المقالات الهامة والمثيرة للجدل.


والكتاب صادر عن مركز المحروسة للنشر 2015م، ويقع في 180 ورقة من القطع المتوسط.


ويحاول الكاتب من خلال مقالات هذا الكتاب أن يستقرئ الماضي، ويتساءل: هل كان الماضي كله محاسن، وهل كان يوتوبيا حقيقية؟ وهل كان مجتمعاً مثالياً؟ وهل النظام السياسي البشري المسمى بالخلافة هو الأفضل في الماضي والمستقبل؟


يقول مؤلف الكتاب في مقدمته: "إن مقالات الكتاب التي جاءت بعد 30 يونيو تحاول تسليط الضوء على مواقف بشرية في عصور مختلفة من تاريخ المسلمين، تظهر البشرية بكل ما فيها من صراع بين الخير والشر، والرغبة والإرادة، هي الإنسانية بكل معالمها، إنها مجموعة مقالات كما يقول الكاتب ربما تضئ بعض المساحات المظلمة في هذا التاريخ.


يرى الأستاذ سامح عيد أن المتشددين والراديكاليين هم أحد أسباب تحول الإلحاد في مصر إلى ظاهرة، وأن رحمة الله ومغفرته وعدله ثابتة وراسخة، وخاصة إذا كان الشخص له عذره في وصول صور سلبية لمن يتحدثون باسم الدين، بل وتصميمهم على أمور لا تقبلها الفطرة السليمة مثل: قتال الناس بلاسبب إلا لأنهم لايرون ما يعتقده المغايرون صحيحاً ومطلقاً، ويدعون أن تلك أوامر إلهية لقتال الناس لاختلاف معتقداتهم عن معتقدات هؤلاء القتلة.


ويؤكد الأستاذ سامح عيد على أننا نعيش في مرحلة حرجة من الانهزام الحضاري، وأن الحضارة الغربية بعولمتها ووسائل الاتصال السريعة تضغط علينا بقوة، ونحاول أن ندافع، ولكن المعرقلين يريدون إعاقتنا وتكفيرنا، ولكننا مستمرون، وإن ظل المتكلسون والمتشددون على آرائهم فنحن مقدمون إلى الهاوية، ويقول الأستاذ سامح عيد إن طرحي لهذه القضية ليس ترفاً فكرياً ليس وقته، ولكنني أرى تسونامي فكري قادم سيطيح بنا إن لم نستعد له، فالحوار هو الحل، والتراث يحتاج إلى تنقيح أو بمعنى آخر يحتاج إلى قراءة نقدية.


يقول الأستاذ سامح عيد: "إن الشباب الملحدين وجدوا أناساً يتحدثون بآيات الله، وادعوا أنهم جاءوا لتطبيق شريعته، فإذا بهم يصعدون إلى السلطة ليقلبوها رأساً على عقب، ويحولوها لاستقطاب حاد كاد أن يودي بالبلد إلى الهلاك والحرب الأهلية، وينزعون الفسدة القدامى ليضعوا فسدة جدد من جماعتهم وعشيرتهم، ويستعلون على الناس، ويدعون أنهم أسياد المجتمع، وأنهم أحباء الله الذين يتولاهم الله برعايته دون خلق الله، يكذبون كذباً بواحاً، ووجدوا من يفتي بأن يترك الزوج زوجته تُغتصب إذا خاف على نفسه، ومن يفتي برجم القرد الزاني،......  ويرون داعش وهي تقطع الرؤوس وتلعب بالجماجم، وتبيع النساء في سوق النخاسة، ويقتلون المسيحيين والأزيديين تحت دعاوى التكفير".


ويقدم الأستاذ سامح عيد دعوة للتسامح بين الأديان، وبين أبناء الديانة الواحدة بمذاهبها ومشاربها المختلفة، ومع كل مواطن صالح أياً كانت ملته وأياً كان رأيه، فنحن لسنا متساوون أمام القانون فقط بل أمام الله أيضاً........ ويقول: نريد أن نلتفت إلى وطن يئن، وإلى مواطنين يصرخون جوعاً ومرضاً وجهلاً.... فرض علينا الواقع الجديد الذي يعيشه المجتمع المصري، والتقلبات الثقافية والفكرية التي حدثت للمجتمع، وفي قلبه الشباب، وكل ما نطلبه أن ندعو الناس إلى التسامح مع العقائد والأفكار وأن يكون القانون هو الفيصل فيما بيننا ونتفرغ لبناء وطننا الذي يحتاج إلى جهد جميع أبنائه.


ملحدون في الجنة


كتاب يستحق القراءة والتفكير والنقاش.