التوقيت السبت، 28 سبتمبر 2024
التوقيت 06:45 م , بتوقيت القاهرة

صورة الإخوان في ويكليكس

معظم ما جاء في ويكليكس حتى الآن عادي. ربما مفاجئ فقط لمن يظنون أن السياسة انعكاس لما يروى عنها في العلن. هؤلاء فوجئوا - ربما - بالطريقة التي يعبر بها النفوذ عن نفسه. إذ ليس النفوذ فقط ضغطا من حكومة على حكومة، بالطرق الدبلوماسية وخلافه. هذه تحدث طبعا، بين القوى المتكافئة.


إنما النفوذ الأقوى هو أن تتحول الدولة إلى "منطقة جذب". يسارع إليها الجميع. الحكومة المحتاجة إلى دعم. والإعلام المحتاج إلى تمويل. والداعية المحتاج إلى إعانة. والحزب السياسي المحتاج إلى تموين. والمستشفى المحتاج إلى معدات.


هكذا يتكون النفوذ. ودعينا هنا من إطلاق الأحكام. هكذا يسير العالم. الدول المتقدمة التي تحاسبها شعوبها تفعل ذلك من خلال "برامج إنمائية"، والدول الأخرى تفعله في صورة نفحات ونثريات.



إنما الملفت بالنسبة لي بصورة أكبر كانت التسريبات الخاصة بالإخوان المسلمين في أكثر من موضع. لكنني أخص بالذكر الموضع الذي ساوم فيه الإخوان على إطلاق سراح الرئيس الأسبق حسني مبارك مقابل عشرة مليارات دولار.


لا لست مشغولا هنا بإطلاق أحكام على الحركة. بل بالنظر إلى معنى هذا. من ناحيتين:


الأولى: براجماتية حركة الإخوان المسلمين. التي وعت أنها فعلت مع مبارك ما تريد. وبالتالي فهي مستعدة لأن للمساومة على وجوده في السجن إن كان في خروجه من السجن مكسب. بمعنى أنها أحرزت "مكسب" سجنه، وهو مكسب معنوي بالنسبة لها من الأساس. وتستطيع أن تكسب في إخراجه أيضا. المكسب هذه المرة ثلاثة مكاسب. ستحصل على دعم مالي. مع الدعم المالي دعم سياسي، جميلة، مع دول خليجية. ثم المكسب الثالث ورقة أراهن أنها كانت ستقدم كيد ممدودة إلى قطاع عريض في الداخل المصري مؤيد لمبارك. مصحوبة برسالة تشبه زعيم الإخوان أيا ما كان بنلسون مانديلا. ورسالة أخرى تطمئن أنصار مبارك بالذات وتدعوهم إلى صفحة جديدة.



الإخوان فعلوا ذلك أكثر من مرة بعد 25 يناير. واستطاعوا به إرسال رسائل هنا وهناك. لماذا؟ لأنه سبق لهم أن رسخوا كونهم أصحاب الرسالة الأخلاقية. "الثوريون" بالتبعية تسامحوا معهم على أشياء لو فعلها أي فصيل آخر في البلد لناصبوه العداء. لكنهم مع الإخوان عصروا الليمون ومدوا أغصان الزيتون. يحتاج هذا إلى فهم نفسي سياسي للتربة التي تتحرك فيها السياسة في مصر. يحتاج هذا إلى فهم أخلاقي لمعنى مهنة السياسة.


إن ظننت أنني أدين الإخوان هنا فأنت لم تفهميني. السياسة تبحث عن المكسب، وتضعه في إطار "أخلاقي". وعلى هذا فالإخوان أكثر فهما للسياسة من ذيولهم. وأكثر استعدادا نفسيا لها منهم. غباؤهم يأتي من موضع آخر. لأنهم يحولون خيارهم السياسي في مرحلة ما إلى خيار مقدس. ويرفعون توقعات الجمهور. فيكبلهم الخيار ويلعنهم الجمهور.


الثانية: أن الإخوان من القوة بحيث يستطيعون اتخاذ قرارات صعبة. كان اليمين الإسرائيلي يقول دائما إنه الوحيد القادر على توقيع معاهدة سلام، وإقرارها. لماذا؟ لأنهم غير متهمين "بالسلام". الإخوان نجحوا، وهم الشركاء الأكبر والمستفيدون الأكبر أثناء حكم مبارك، في أن يقدموا أنفسهم في صورة المترفعين. بينما القوى "المدنية" قوى مهزومة نفسيا. تنحني أمام "المعايرة" والوصم. وتعيش في صورة اللي عامل عَملة، ولا يطلب إلا الستر.


الإخوان، كغيرها من الجماعات الدينية والشعاراتية، عبارة عن آلة إعلامية كبرى، ولا شيء آخر. لكنها آلة ذات هدف. الثوريون الناشئون في تربة ثقافية صنعها الإخوان يحاولون أن يقلدوهم، لكنهم يقدمون صورة مشوهة، هم أيضا آلة إعلامية لكنها عديمة الهدف، مشتتة الغرض، منقلبة على نفسها.