التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 01:58 ص , بتوقيت القاهرة

إحباط الإحباط!

يبدأ الشخص حياته العاطفية بمجموعة من التوقعات. يبني هذه التوقعات على القليل جدًا من الحقيقة والكثير جدًا من الوهم. يتوقع شكلا معينا للشريك وشكلا معينا للعلاقة، كما يتوقع شكلا معينا لنفسه.


يتوقع ويتوقع ويتوقع ثم تأتي الحياة لتثبت أن بعض توقعاته كان صحيحًا والبعض الآخر كان خاطئًا. ولذلك فالتوقعات هي المتهم الأول في كل جرائم الإحباط، ومن ثم تأتي النصيحة الأكثر انتشارًا للوصول لأقصر طرق السعادة "قلل من توقعاتك!".


مشكلة هذه النصيحة أنها على وجاهتها، إلا إنها في الأغلب تتسبب في المزيد من الإحباط. يُحبط الشخص ابتداءً بسبب عدم تحقق توقعاته، فيتنازل عن بعضها عله ينال البعض الآخر، فيكتشف أنه لن ينال أي شيء. يحبط مرة لأنه فشل ومرات لأنه "رضي بالهم والهم مارضيش به".


والإحباط شعور ليس من السهل مقاومته أو التعايش معه. الإحباط يولد الضغط العصبي ويؤدي في كثيرٍ من الأحيان للاكتئاب. يؤثر الإحباط سلبًا على اتخاذ القرارات فيميل الشخص لتجنب ما يظن أنه قد يتسبب في مشاعر الإحباط. مما يؤدي لأن يستمر الشخص في الدوران في دائرة من الإحباط التي لا تنتهي.


الحل للخروج من دائرة الإحباط المفرغة ليس تقليل التوقعات. بالعكس، فالمحافظة على مستوى مرضٍ من التوقعات جزء مهم من الحل. بدلًا من التفكير تلقائيًا في تقليل التوقعات يجب التفكير في "ترشيدها"، بمعنى أن نحتفظ بالجزء المبني على الحقائق ونتخلص، بقدر المستطاع، من الأوهام.


فنتخلص من أوهام الشريك المثالي وأوهام العلاقة المثالية، والأهم أوهام شكلنا المثالي. فالعالم الذي نعيش فيه أبعد ما يكون عن المثالية وهذه إشارة كافية لنفطن بأنّ المثالية وهم.


لا يمكن أن نكون مثاليين، كل ما علينا فعله هو أن نحاول. ومن ضمن المحاولات هي أن نستبدل فكرة الشريك المثالي بالشريك الملائم. الشريك الملائم سيشبهنا في أشياء وسيختلف عنا في أشياء. ولكنه بكل تأكيد سيكون "روح" وليس فقط نقاط في قائمة طلبات.


وكما استبدلنا فكرة الشريك المثالي بالشريك الملائم يجب أن نستبدل فكرة العلاقة المثالية بالعلاقة الملائمة. لأنه على الرغم من كل أحلامنا وأوهامنا، الحياة هي ما يحدث أثناء انتظارنا "لقطار المثاليات". فبدلًا من الانجرار لدائرة الإحباط بسبب غياب العلاقة المثالية يمكننا أن نستمتع بما هو متاح بلا هوس بالنهايات قبل البدايات. أن نتبع سياسة "الخطوة خطوة" ونعيش في الآن ولا نتخذ قرارات الغد إلا في الغد. فالعلاقة الملائمة ليست بالضرورة العلاقة التي نريد ولكنها، بكل تأكيد، يجب ألا تكون العلاقة التي لا نريد. فكل ما دون خطوطنا الحمراء قابل للتجربة، التجربة حياة!


وكما "رشدنا" التوقعات بالتخلص من أوهام المثالية، جزء من "ترشيد التوقعات" هو أخذ الإحباط في الاعتبار كنتيجة متوقعة. والعلم بأن الإحباط ليس نهاية العالم. والفشل ليس أبديا ولا مطلقا، كما أن النجاح ليس مطلقًا ولا أبديا. واحتمال الفشل لا يعني، بأي حال من الأحوال، الامتناع عن التجربة.


فيفوز بالنجاح كل مجربٍ كما فاز باللذة كل مغامرٍ!